السبت، 2 يناير 2021

ترتيلةٌ أو كتابة ..



"إذا لم تلكمك الكتابة، لا تفعلها"


تشارلز بوكوسكي

تستحدث الكتابة في كل عصر لأغراض متعددة. منها للإجابة عن أسئلة الكون، الخلق والعدم. وأحياناً أخرى لتكرس الوجود البشري في دائرة مغلقة. فالكتابة كأداة للبتر، لنهاية الجدل كما هي أداة للمزيد من الحوار. كتب ابن تيمية في القرن السابع الهجري: "الناس لا يفصل بينهم النزاع إلا كتاب منزل من السماء ، و إذا ردّوا إلى عقولهم فلكل واحد منهم عقل" 
فكل عقل يمكن له أن يكتب، وما تفضي إليه الكتابة ليس إلا صوراً لا منتاهية مما يختمره العقل وتكتشفه التجربة. يطرح الشيخ السلفي الكبير بالعبارة الآنفة الذكر معضلة ليست جديدة، حتما. فأفلاطون الذي وضع حلاً مؤقتا لها في مؤلفه "الجمهورية" بابتكاره مفهوم الشكل "The form”. فحسب أفلاطون إذا ما كان لكل منا تصورا عن الشيء، فالحكم بيننا هو الشكل. ولم ينقض الكثير حتى أتى ديكارت لينسف الفرضية بمجملها. ربما عن غير قصد. فمن الذي يضع الشكل، ومن الذي يفرض نسبيته لتصور ما تبتكره أذهاننا. فلكل منا كما قيل "عقله". ولو أن الكنسية لم تحاول إقحام النور الإلهي الذي أعطى للبشرية جمعاء مفاهيمها وأشكالها لم تصمد فرضية أفلاطون لجيل كامل. فقد عززت الكنيسة - والإسلام أيضا- محاولة أفلاطون باعتقادها أن الله قد زرع الأشكال في عقل كل منا، وما الفلسفة سوى محاولة لتذكر الشكل وإدراكه.


إن الكتابة محاولة جادة لرسم الشكل "the form”، محاولة تتوق إلى تعزيز إدراكنا للشكل ذاته مع اختلاف الزمان والمكان. كما هي محاولة للتشكيك أيضا، فلولا عدم تأكدنا من اكتمال الشكل في أذهاننا أو حتى في إدراك الآخرين، لما أضطررنا للكتابة. تماما كما فعل ديكارت. وتظهر الكتابة أيضا للبعض كاكتشاف، فقد قضى أوريليانو عزلته في رواية مئة عام من العزلة في فك شفرات المخطوطات السنسكريتية التي ورثها عن جده جوزيه بوينديا. وفيها وجد أوريليانو قصة ماكوندو وتنبؤات مالكويداس: " إن أول السلالة سيربط في شجرة، وآخرها سوف تأكله النمل". هكذا تماما حدث بابن أوريليانو بعد ولادته وموته مباشرةً. فعندما خرج باحثا عن من يبث له حاله بعد موت حبيبته أورسولا أمارانتا وعندما لم يجد سوى المكان الوحيد الذي يعرفه في ماكوندو وهو المكتبة التي ابتاع منها مخططاته وطفق عائدا حتى وجد النمل يأكل طفله. 


وأخيرا، للكتابة احتمالات لا متناهية. فهي تملك القدرة على كونها سلاح لا حدود للمفاجآت التي قد يحدثها. فالكاتب لا يعرف ما الذي قد ينطوي على نشوته التي يطلقها، رغما عنه في غالب الأحيان. إنه يريد "مواجهة العالم وعيناه مفتوحتان طوال الوقت"*. 

*ألبير كامو - المكتبة في الليل

الثلاثاء، 24 مارس 2020

شتاءٌ وطيّر

"للإيمان شهوة، ولكنها لا تكتمل إلا بالشك"

في مساءِ يومٍ بارد، تتجمد الأشياء، وحدها الكلمات التي تسيلُ بلا توقف، هذا الكسل الذي يتبدى في الأطراف، السكون المتقد، الأسئلة الكثيرة، ومساحة التأمل المطردة. كل هذا يتبعني إلى فراشي. 

إنني أهربُ من نفسي، ولكن لا أعلم إلى أين، أهربُ من عقلي الذي يطاردني في كل مكان محملاً بالأسئلة التي لا تنتهي. 

هاربٌ، متى اليومَ ستهربُ
قلبُكَ جمرةٌ للضوءِ
وروحكَ مذهبُ

كل الخطايا في شريعتكَ استوت
وأنتَ لذنبٍ بعد ذنبكَ
تَطربُ

غناؤكَ في المدى 
أنشودةٌ
بها يهتفُ المشتاقُ ويُتربُ

في خبيئتكَ الجميلةَ 
بعضُ قصيدةٌ
كلّما تمشي إلى غيبِكَ تُكتبُ

بحرٌ وراءَ البحرِ 
وخطوكَ ماثلٌ
وفي جدارِ الغيبِ
موجُكَ يضِرِبُ

حلمُ الملائكةِ الصغارِ غوايةٌ
كلما تروي لهن ستطربُ

بلادُكَ لحنُ العُرى وراءَ قافلةٍ
بها الحادي يصيحُ فيتعبُ

نساءُ قلبكَ اللاتي 
وهبنَ نبوءةً،
لم يبتغنْ غيرَكَ
وغيرُكَ يَتعبُ

للصلواتِ الأُلى
ستَقرأُ آيةً
للحواريينَ القُدامى
الذينَ ستصحبُ

لكفِ جارتكَ التي كحلّت
بأربعةِ من الطيرِ 
حينَ تُقربُ

للهِ الذي خلقَ السؤالَ 
تحيةً
وللآدميِّ الذي 
في غيّهِ يتقربُ


الظهران 
١٤ كانون الثاني ٢٠١٧

الجمعة، 24 يناير 2020

نجيب .. والوداع

أعود من زمن إلى فتح الصفحات الفارغة، تساورني الكتابة المنقطعة منذ مدة. لست أجد في ذاكرتي سبباً لذلك. ربما هو جفاف الروح كما يسميه ألبرتو مانغويل في كتابهِ “المكتبة في الليل”. أعود محملاً بالقدر القاتل من الأفكار والمشاهدات التي تتهادى في مدى النسيان. أكثر ما يؤرقُنا نحنُ البشر في الانقطاع، هو العودة من جديد ، وسؤال : من أين يجب أن أبداً ؟. هذا التحدي ينطوي على الكثير من الأسئلة. الحديث عن الأصل ، عن الهدف ، عن المغزى من وجودك كبشر ، أو حتى كمجرد كاتب. وربما أيضا كون الكتابة تحرراً من كل شيء ، فكيف هو الخروج المناسب من قيد الصمت؟. هناك أسباب عدة قد يطول الحديث عنها وينتهى هذا المساء سفسطائياً دون حد. لكن المؤكد هو أن حدثا ما هو ما يكسر مسيرة السكوت، ويُحرضنا على الكتابةِ دائما. فالكتابة سلاحٌ لايستطيع كسر السلطة لكنهُ فعّال جداً. كما هو حال الحقد أمام الشجاعة. كما يشير ميكافيلي في "الأمير": " وبما أن الإنسان لم يدخل دور المعرفة إلا منذ زمن قليل، وكان مسيراً بالمشاعر والمعتقدات، تجلى لنا شأن الحقد في التاريخ". وقد أشار كولان كما يضيف: " لا داعي للشجاعة في الحرب أكثر مما إلى الحقد". إن مناسبة ما يقوله ميكافيلي لليوم رغم كتابته قبل ما يقارب خمسة قرون لهو أمر يحرض على الكتابة أيضا. 

ليس على الكاتب أن يعرف متى عليه أن يكتب، ولكن يجب عليه معرفة ما إذا كان الصمت واجبا. ينتابُ كل منا شغف القراءة فقط، دون الكتابة. تحيطها الرغبةَ في التأمل اللامنقطع ، إن الإنسان في بساطته يبحث عن التجرد أحيانا. دون أن يدرك لماذا ومتى وكيف. فالله كما يتصوره البشر متجرداً يُلقي بظلالهِ على كل شيء. فالتجرد هو حالة من الإنفصال والارتباط في آن واحد. ذلك الارتباط السرمدي الذي تحاصره الذكريات. ولكن الكتابة تثير هذا الكم الهائل من التساؤلات، والأساطير كما تصنع القراءة تمام. فلو لم تُكتب قصة أخيل وبولسكينا ، لم نفهم المعنى الأشمل للضحية. اكتشف هيكتور أمر أخيل عندما تسلل إلى معبد أبولو لاستراق النظر إلى حبيبته. كان هيكتور يعارض زواج أخيل من شقيقته بوليسكينا، ولذا أقدمَ على قتله. يعبر ألبرتو مانغويل عن أسطورة الضحية بوصفها " أبرأ من أن تكون دافعا، أبرأ من أن تُلام، أبرأ من أن يستفيد الآخرون بموتها، صفحةٌ بيضاء تسكن القارئ بأسئلةٍ لا تجاب". يواصل البشر عادة كتابة الأشياء التي يحبونها ، لا بغرض التساؤل فقط ، ولكن رغبةً في التذكر. وهم أيضاً يدونون تلك التي يكرهونها رغبةً في التساؤل. فالموت على فرضية محدوديته جدليا، يبدو واحدا منها. 


قبل أيام ، فارق نجيب الزامل - الأب الروحي لكل من يشعرون بالآخر- الحياة. فجاءةً ، رغم كل شيء ، انتزع الموت بسلطانه إنسانا حقيقياً ، عزَّ نظيرهُ ، ليبدأ الانثربولوجيون القلائل حولنا بالبحث عن مرشد آخر. لا أفضل الحديث عنهذا الأسى كثيراً ، لأسباب أجد لها تبريراً سخيفا. عندما كنت أحاورهُ عن ما إذا كان المتنبي أو أبي العلاء المعري على ذات القدرة الفلسفية. يطول الجدل ويقول لي : "ما يرجح كفة المعري هو قوله: لا تأنفُ النفسُ من موتٍ يلمُّ بها فالنفسُ أنثى لها بالموتِ إعراسُ" كان نجيب بكل اختصار ، إنسانا، قضى وقتهُ يقتح أبوابا من الزخم، لاتنتهي. وداعا أبا يوسف، وداعا إلى الأبد.

الثلاثاء، 3 أكتوبر 2017

سلسلة البحث عن الموتى

في هذا الصباح الهادئ، استلقي في البيت على القرب من شاطئٍ لا اسم له، تعرجُ أفكاري فوق كل الذكريات. أتذكرُ بعض لمحات الكتب التي تنظر إليّ من فوق الرفوف دون حراك. في هذا الظلام المخيم على فراشي، تنام على الرف القريب روايةُ كل الأسماء لساماراغو. أتذكر جيداً كل المصاعب التي واجهها بطل الرواية -دون جوزيه- في البحث عن امرأة ما سقطت شهادةُ ميلادها سهواً في يده. اعتبر الدون ذلك رسالةً إلهية وبدأ البحث عن المرأة صاحبة الشهادة ، ولكن بعد التحريات ، ومعرفة كل تفاصيل حياتها، وبحكم أن دون جوزيه موظفاً في السجلات المدنية التابعة للدولة -التي تعرف كل شيء عن كل شيء وفي كل مكانيكتشف أنها لم تعد على قيد الحياة يذهب للبحث عن قبرها ويمكث عنده ليلة كاملة. وفي الصباح يقابل دون جوزيه راعياً يطوف في المقبرة، يدور الحوار بينهما، ثم يعترف الراعي بأنه يقوم بتغيير أرقام القبور. يقول : "هؤلاء الذين انتحروا رغبةً في مغادرة الحياة والهروب من الرقابة جديرون بذلك ، بألا يتعرف عليهم أحد، على الأقل بعد الموت.


هنا يصعق القارئ بسبب ضياع كل الجهود التي قام بها الدون ليتعرف على القبر. فكل شيءمهما أُعتقد أنه مسجل  وتحت السيطرة قد يخرج منها على حين غرة. في الرواية تُصور السجلات آنذاك بوصفها موسوعة عن البشر، تسجل ولادتهم ووفاتهم وأماكنهن ووظائفهم وعلاقاتهم. مرسوعة كبرى تحتكرها السلطة وتُعدهت للاستخدام ، تماما كما تبدو وسائل التواصل لنا هذه الأيام. ولكن دائما هناك أمثال هذا الراعي، في كل مكان وفي كل حلقة من حلقات سلسلة المؤسسة. هناك من يغيرون اللعبة بأكملها بحيث نصبح غير قادرين على التثبت، ولو أردنا ذلك بكل تعنت

وربما كان محاولاتنا لبناء موسوعات البشر افتراضاً هزليا قبل كل شيء. أن نبحث عن ثبات البشر الذين يتغيرون كل لحظة شيء لا يمكن تصديقه. في "كل الأسماء" صدام بين الحتمية والاحتمالات، تماما كما بين النظرتين النسبية والكمية، وكما بين نظرية التطور والخلق، وبين العقل والروح. الصدام أو الحوار بين إذا ما كنا نعرف حتما أو بعضاً أم لا نعرف مطلقاً. حوارٌ يجعل الحياة ممكنة دائما وأبداً ودون تردد

الجمعة، 17 مارس 2017

غربة وبداية

يختارُنا المكانُ الذي نرتاحُ فيهِ

بدونِ أن نعرفهُ حقاً

نفتحُ في أرجائهِ صفحةً للحبْ

نحبُ كل الأشياء ، 

والتي لم تعد بحوزتنا

وكل الذكرياتِ التي تركها القدرُ

إلى اللاعودة

ربما ترضينا شهوةُ الخلودِ 

فننسى

ربما تفرُكنا لُعبةُ الفقرِ

فنتباهى بالسرابْ

بفتنةِ الماضي

نحنُ أبناءُ الذبيحينِ اللذينِ لم يقتتلا

ونحنُ العراةُ الطائفينِ بالبيتِ

دونَ الجِهاتِ الأربعة

للبيتِ ربٌ .. 

وللعصفُ ربٌّ

وللعربيُّ أسئلةَ الدهرِ 

التي لاتُجابْ



٢٨ فبراير ٢٠١٧

الجمعة، 10 مارس 2017

حلمٌ أم وسيلة!

حلمٌ أم وسيلةْ؟
تسيرُ في بلادكَ وأنتَ لا تعرفُ الطريقَ لها
قدماكَ تسبقُ خطوكَ
وأنتَ خاوٍ سوى من ذاكرةِ الجسدْ
"ليس لكَ اختيارٌ"
يصرخُ في وجهكَ الشارعُ
وأعمدةُ الإنارة، التي لا تضيءُ سوى السبيلُ الذي يريدونهُ لكَ
وحولكَ كلَّ من أوهموكَ .. بأنكَ حرٌ
وهمْ يقولونَ : 
لكَ ماتريدُ
لكَ أن تختارَ المسيرَ .. في كل الطرقاتِ المقفلة
والتي لا ضوءَ فيها .. ولا صديق
ستصرخُ مرةً .. ثمَّ أخرى ،
لكنك حتما ، ستتبعُهم في النهايةِ
إلى العُرسِ الذي لا فرحةَ فيهِ
ولا فاتنةْ
كلما رأيتَ ضيفاً تمالككَ الغضبْ
رجالٌ مزملونَ بالبيضِ
ونساءٌ ليسَ لأجسادهنَّ مصيرٌ
سوى السوادْ
وشيخُ يقول :
هذي هيَّ البلادُ.
ولكنكَ الآن تكبـرْ
وصرتَ تعرف أكثرْ

الأحد، 5 فبراير 2017

سفرٌ ولغةْ

يتصادف السفر عادةً مع حالات نفسانية متعددة، تحضر المدن التي نزورها بشكلٍ مباغت في ذاكرتنا الروحية دون موعد مسبق. حتى ولو تظاهرنا بالاستعداد لذلك. فالنفّسُ ليست حقيبة حتى يُمكن لنا تصور ترتيبها قبل السفر بساعات، بل بأيام أو ربما أكثر من ذلك. تحتاجُ الروح عادةً إلى المخيلة، أكثر مما يحتاجُ لها العقل. في المخيلة تحضرُ الأسماء، زحام الشوارع كل صباح، زحامُ الأماكن العامة كل مساء. اسطنبول التي تفصل بشكل ما بين الشمال والجنوب، أو الشرق والغرب تحتاجُ لمخيلة زائريها أكثر من جوازات سفرهم. إنها تقع بشكلٍ ما في منتصف الصراع بين العقل والروح، بين بوذا وجون لوك، بين فوكوه وتشابرثرجي، بين جلال الدين ولوثر، والقائمة تطول ولكن ليس بعد. فالشرق الذي تتذكره اسطنبول يختلف عن شرقها الحاضر في كل شيء. إن فكرة السفر تشكل تحدياً بحد ذاتها ، فكيف وأنت تجوب الأماكن التي عبرها الحاج ولي بكشكتاش ذات يوم، تلك التى ترددُ صدى كلماته لصبية الانكشارية يوما ما. وفي الوقت نفسه يغطي مصطفى كمال اتاتورك نصف هذا المدينة. عندما نسافر لمكان ما نكون على موعد مع اختبار الذات، أن نحاول التصرف كما لو أننا نعيش هناك منذ الولادة، بدون ذلك سنبدو تائهين بلا جدوى. السفر أن نتعلم كل شيء كأنهُ للوهلةِ الأولى، كأن نتعلم المشي، بخطوات قليلة، أن نخرج من ذواتنا لمرةٍ واحدة، وربما للأبد.


نتذكر لوهلةٍ أننا نؤدي جزءً من وصية أبي تمام


وطولُ مَقامِ المرءِ في الحيّ مخلقُ

لديباجتيهِ ، فاغتربْ تتجددِ


أن نُحدث المدن التي نمرُّ فيها ،أن تخترقنا كلمات ساكنيها دون أن نفهمها، كلغاتٍ لا تقالْ. ونرى مرآتنا، تلك التي يعرفها البسطاء من أول نظرة. هم يعرفون السبيل المؤدي إلينا، هوياتنا المركبة والمتراكبة التي تحاربها بلداننا، السفرُ خروجٌ عن النمط، استهلالٌ خارج سِرب الجراد المتطابق. وقليلةٌ هي المدن التي تخبرنا من نكون، تعرفنا جيداً قبل أن نصلها، كل زقاقٍ فيها، كل بائعِ حلوى، كل ساحةٍ فيها تعرفُ من نكون، وتملكُ حِدساً لما يجب عليه أن نكون. أو أنها ، بلغةٍ أخرى ، لا تهتم لذلك.


وها نحنُ عندما نهربُ من بلداننا، من الحربِ المستمرة التي نبتسمُ في صباحاتها. نقاتل كي نحيا، نقاتلُ بالصمتِ، بالهدوء، بالحياة السعيدة المستمرة. نصرنا هو أن نكونَ على قيد الحياة، متمسكينَ بالأملِ أبداً طالما أنهُ المكان الذي يتراءى في الوقتِ مثل الحُلمِ كما يصفهُ قاسم حداد :

قيلَ هو الوقتُ والمكان

يتراءى مثلَ الحُلمِ فيما يكونُ .. وهماً

يتمارى فلا تدركهُ البصيرةُ، 

ولا يطالهُ الكلامْ

لن تعرفَ ما إذا كنتَ سيداً في هذا الجحيمِ ، 

أم عبدا ..

ليسَ لكَ أن تقولَ باللُغةْ

وما إن تقولَ بيدكَ حتى يطالُكَ القصمْ

ففي الجحيم الذي 

لا تسبقهُ جنةٌ

ولا تليّهْ

أنت في المهبْ

مزاجُ الريحِ تعصفُ بكَ

ويدفعكَ إلى التهلكةْ


****


بلادُكَ أيها المجنون، 

ساحةُ حربِكَ الأخرى

خطيئتُكَ الجميلة

فانتخب أعداءكَ الفرسانَ

قاتلْ .. وانتظر .. واهدأْ

فهذي وردةٌ للكأسِ

 سوفَ تقولُ للأطفالِ عن جسدٍ تماثلَ

واصطفى موتاً ..

وبكى غفلةَ النيرانِ



٢٨ كانون الثاني

المدينة المنورة