الثلاثاء، 20 مايو 2014

نثريةُ امرأة

بعدَ أن أرهقت عينيّ من السهر

بدا وجهها الغريبُ يتفتتُ من عبقِ الذاكرة

ويتفجرُ من أُغنيتي

كان جسدُها يؤرخُ مقطوعةً للقراصنةِ الهاربين

إلى الأندلس

يُحاصرُون الغجرَ والأكبادَ الذين يناوؤنَ الغضب!

من أين يأتي الربيعُ .. لازلتُ اسألُ

وكيفَ يقتحمُ قلبكَ هذا السيلُ المُدججُ بالأنوثة ؟

كنتُ اذكرُ أنيّ أُحبُكِ كالمدينة

كالبعثِ الذي يختزلُ المحيطَ في دمعةٍ أزليةٍ

أو كأرضٍ جفّتْ من القهرِ وأقدامِ الصخبْ

لازلتُ أرى الأشياءَ كلها تتوالدُ من رحمِ السحابة

أيتها السماءُ الثامنة !


الظهران 

١٩ مايو ٢٠١٤

الثلاثاء، 6 مايو 2014

بين الكيان والفرد

في عام 1916، كتب الفيلسوف الألماني "مارتن هايدغر" إلى زوجته "إلفريد" يقول: إن تهويد ثقافتنا والجماعات مرعب فعلاً، وأعتقد أن على العرق الألماني أن يجد ما يكفي من القدرات الداخلية كي يصل إلى القمة". وفي عام 1933، كتب إليها أيضا بخصوص الفيلسوف "كارل ياسبرس"، وهو من أصدقائه المقربين يقول: "يزعزع كياني أن أرى كيف أنّ هذا الرجل، الألماني الخالص، بغريزته الأكثر أصالة، الذي يدرك الضرورة القصوى لقدرنا... يبقى مرتبطا بزوجته". وينبغي الإشارة هنا إلى أن هذه الزوجة يهودية. ولقد أجاب هايدغرعلى سؤال صديقه "ياسبرس" الذي سأله، كيف يمكن أن يحمل رجل مثقف مثله ذرة إعجاب واحدة بشخصية تافهة وفظة كهتلر، بالقول: "يداه جميلتان جدا"!.


تحمل هذه الرسائل دلائل عميقة حول إمكانية تضخم الذات المفكرة، وتطويعها بشكل راديكالي فظيع من طرف الأيديولوجيا، وتحويلها إلى مصدر الشر الأصيل الذي يهدم قيم النبل، والحرية الإنسانية الطبيعية للفكر الإنساني. ولعل أَثر "مارتن هايدغر" بانشغالاته الفلسفية، وإسهاماته الكثيرة في الفلسفة الحديثة، وبالموازاة مع قناعاته السياسية المثيرة للجدل، جعلت منه أحد أعمدة "كتيبة العاصفة في الفكر"، كما سماه الفرنسي "جورج لوكاش".

إنّ الإشكالية المطروحة هنا، بكل تعقيداتها وتداخلاتها المعرفية، هي في ماهية المثقف نفسه، في تعريفه ودوره أو أدواره، وفي المساحات المتاحة له، في تمييزه عن السياسي إن وجد هذا التمييز، ثم في التزامه أو عدم التزامه بدوره الأساسي في محيطه المجتمعي.

كان ذلك عن المثقف الأوربي الذي تطور من حينها تطوراً هائلا.لكن المثقف العربي تراجع كثيرا في مرحلة الضعف الكبرى، والتي يمكن أن نؤرخ لها منذ بدايات التسعينيات من القرن الماضي، عن مكتسبات الريادة الثقافية والفكرية في وطن جريح ومستلب، من طرف أنظمة استبدادية شكلت الجهة الوحيدة الموجِهة لخيارات الدولة والمجتمع معا، بدون منازع أو معارض. وربما الأمر المُستحدث هو ظهور مثقفي السلطة، الذين يناضلون من أجل بقاء السلطة الحاكمة ونُمِّوها ونُضجها، مستعملين وسائل الدفاع المشروعة وغير المشروعة أخلاقيا وقيميا، من أجل إنجاح تَمركُز السلطة الحاكمة مايعني أنه أصبح يؤدي دوراً وظيفياً بلا معنى ويرجع ذلك لسببين : الأول إنه قد أصبح أداة من الأدوات سواء في يد السلطة الحاكمة أو الموروث الماضوي. الثاني: عدم قدرته من تخطي المحيط المجتمعي وإنعزاله عن الإبداع المعرفي والثقافي. 

وقد خرجت علينا اليوم عربياً موجة متجددة من الرجعية الثقافية التي تُمجد الأفراد والسلوكيات العبثية (صالحة أم طالحة) في سبيل اللاشيء ربما مما يُؤكد انعدام الفكر المؤسسي للمجتمعات العربية في ظل انعدام الفكر المتجدد والتصورات الجادة لدول مؤسسات قادرة على إنتاج ذاتها. وها بنا نجد أن الصفحات تمتلئ بالمقارنات بينهم وبين العلماء بل بينهم وبين رؤساء الدول الديموقراطية مع إيمان تام بتفوقهم وربما بينهم وبين الفلاسفة ! .. وهلمَّ جرا.
وقد لا نلوّمهم في حين إنعدام الهوامش التقدم الفكري في ظل التسلط الديني والعلماني في سياق المجتمع مما يجعل المثقف في صراع "إما كذلك أو فلا"
 
وكنّا نؤكد قبل سنوات عن تأثير الجمهور المباشر على المثقف وأدواته، ولصدفةٍ كونيةٍ ما أو صدمة فكرية سمرت عقول المثقفين أو بعضهم عن هذا الحديث مما جعلهم أدوات مُفردة تستخدمها السلطات والجماهير معاً .. حتى ذلك الحشد الديني القديم في حين أن المثقف أصبح عاجزاً عن تكوين فكرة ما ابتداعاً ! .. وقد رأيناهم أنفسهم عاجزين عن فهم الإختلافات والآراء المتباينة. وأعلم جيداً أن هناك من سيؤكد على وجوب عدم إطلاق مصطلح المثقف على هؤلاء .. ولكن إيماناً بوجوب محاكاة العقول بسياقاتها كان لابد من ذلك في ظل استمرار الغياب للمثقف الحقيقي المحافظ الذي يرى وجوب التطوير في ظل الرجعية مع الأخذ في الاعتبار الظروف والمتغيرات في ظل انغماس المعنى المحافظ للدول داخل الأنظمة.

٦مايو ٢٠١٤
 
أبوظبي