الخميس، 22 نوفمبر 2012

ركام !

قبل أن تبدأ بالعزف لا بُد أن تمحو أصوات النشاز التي يُصدرها القلب ويحفلُ بهزيمتهِ أمامها لا بد أن تخلو أطراف الجسد من كل احتمالات القوىٰ التي تبقى في تفاصيل الأجداث بعد أن تصعد الأرواح تتحول لشيءٍ من قطع الركام المُلقاة في غياهب النسيان ..


لا بُد للحن أن يختل لمن باع أشلاءه الماضية في جدار الوقت تلك التي تحيا بملامسة أطراف الدماء المُتجددة كنهرٍ سارٍ إلى آخر أصقاع الرُبىٰ تلك التي دهسها الخضوع والتسليم واتخذها الموتُ أعمدةً لبناءِ جهنمه العصماء ، لربما غض الأحياء الطرف عنها وتغنو بأطلالهم المقيته وتباكوا عليها وتناسوا وجودها بينهم وداسو على عظام السلاسل التي تربطهم وأجساد أجدادهم التي تحللّت وانطفأت على غُرةِ الموت ودنوِ الفناء وكأن لسانُ حالِها يقول
حتى على الموتِ لا أخلو من الحسدِ
كل ما مضى هُنا يُصور لنا أبعادُنا وكأنها مطامعٌ لكل من وجدَ للحياة وفي هذه الشبح عبءٌ كبير على الاستيقاظ الذي دُفن مع تماثلُ قُوامنا للذبول ..
كمنْ يقف على الأرض المتحركة ويرى بعينيه أنهُ مركزُها الحيّ ونبضُ أشكالها المُنحرف، هُنا يعتزل الصوتُ الكلام ويطرح صمت التأمل في أكوابنا المليئة بالغموضوأرواحنا المُبهمة ، هُنا يستبدُ السواد السواد في أوراقنا البيضاء وكأنهُ حبر لا لون لهُ ولا معنى !

صوتُ النهر ياصديقي لا يقف ومياههُ التي تجري في تُراب الأرض لن تمل الوقوف حتى يأذن لها ضوءُ الشمس ويعاكسها المسار فإنها تشربُ الصخرة الصماء التي لا ماء فيها ولا دواء وتغمرُ أشلاء الركام تحتها ولا تحفل بأي لونٍ كان .. وأيُّ زهر فاح منهُ ذات يوم فكن عطرها الفواح الذي لا يأبه غياب الضوء وعزلةَ الشمس.

٢٢ نوفمبر
المنامة

الثلاثاء، 13 نوفمبر 2012

فضاء



خلف ظلِّ النجم سرقَ لحظات ليغادر ماء الوجود وألغام الضباب ، صنع سُلمهُ السحري كيّ يصعد إلى شرفات السماء ويرى أضواء الأرض وظُلمات المدى المقتولِ على سفحِ الحقيقة .. كم من اللحظات التي ماتت على فوهة الانتظار تحت صرخات العابرين الذين تألهوا يوماً وتناسوا المحاق! ..


حين امتطى صهوتهُ الحرة وبدأ ينمازُ عن شفاهِ القمر مودعاً قُبلاتهِ الحارة ونافثاً عن كتفهِ دموعُ الوداع ، هناك خلف المدى لاصوتٌ يسمع ولا دماءٌ تسيل ولا ظلامٌ يسودُ ولا نشازُ في الحِداء ولا شحوبٌ في النظر خلع نعليه ورداءهُ الباليّ مؤزراً بالاشتهاء الذي طالما عاقرتهُ اللياليّ ومدادُ السبات ونعناعتهُ المسودة مذُ قطفتها الأولى ، مرآتُه كانت في أذيال الشهب وشرابهُ من ريق السحاب ومدامهُ صوت السكون الذي ينهمرُ بألحان اللاوجود تعرى للإمتثال إلى فطرتهِ الأولى تعرىٰ كما لم يزل وليداً للنجوم في ليلةِ عُمر بقُبلة أول شهابِ همىٰ على نجمةِ الصبح العذراء .. كانَ يرسم أشكالهُ الحرة وأجاد انحناءتهُ الجديدة في فضاءِ الهدوء ! .. كم كان بارداً مهدُ الفضاء في غياب الشمس وكأنهُ فراش عازبٍ لم تزرهُ عاشقته ولم يُمارس فوقهُ اللعب الخُرافي لم يذقُ على متنهِ قُبلةُ الشتاءِ الدافئة منها ولم يلعق لسانها في صيفهِ الذي حقنَ الدماء كان يعجبُ لهذهِ السماء كيف أنها تشبهُ أرضه وتصفُ وطنه ولكن ! .. هنا تظهرُ المعشوقة-الشمس- كل يوم أما في وطنهِ لاتظهرُ فاتنتهُ أبدا ... كان يبكي عجز أنفاسهِ عن نقل العراءِ السماوي حيثُ تتضحُ التفاصيل من أجسادِ الكائنات إلى أرضهِ المُلقاةُ تحت نجمةِ اللات التي سرقت ضوء النجوم الصادقة والأماني المُرهفة كان يقضي على اشتهاءاتهِ كلما نظر إلى النجوم كما كان يفعلُ في أرضهِ الحرة! .. وكما تعلمَ أن يغضَ الطرف عن كل الجمال ويأخذُ جرعات المسيارِ كما استوجب حالُ اللحىٰ ، لا يفهمُ شيئاً مما يُقالُ هناك ولا يُريد أن يفهم حتى لا يُغادرهُ الصداع ويمتلئ رأسُهُ بأصوات النشاز وصيحات الصخب التي ترنو إلى نعرات الظلام في أرضِ .. الظلام!


كان في وسط الرجاء والذكريات والأنين والبهجة كانَ مُحاطاً بالدموع ومُتماثلاً للرقصِ على موسيقاهُ التي دفنتها السنين العجاف في صدره المُر .. الذي لم تذقهُ عذراء الكهوف ولم تهزهُ أيدي الصبايا .. تتبادرُ الأشياءُ لذهنهِ ولكن فقدَ لهجة الإدراك .. فقط للإدراك!

المنامة
١٣ نوفمبر ٢٠١٢

الاثنين، 12 نوفمبر 2012

عيناكِ

عيناكِ ليال ورديه
عيناكِ شواطئُ أحزاني
عيناكِ بشائرُ خاطرتي
كتُبي أشعاري وحنيني
ماذا أُهديكِ وذاكرتي
تجتاحُ كيانَ الركُبانِ
وأنا في الشارعِ تمثالٌ
أشواقيّ تعصفُ عنواني
خطواتي تأكلُ خطواتي
وسجائرُ رائحتي قلقٌ
يبتاعُ شفاعةَ رُهبانِ
ماذا أهديكِ من قلميّ
يا صوتَ الخوفِ بإيماني
ماذا أُعطيكِ من رمقي
يا ظّلَ البانِ بعنواني
فأنا لا أملكُ في المنفى
إلا عينيكِ وأحزاني
فمتى إلحادُكِ داهمني
إصرارٌ يجتاحُ كياني
وأنا إن جاءَ بي المغنى
لا أتلو صحُفَ الربّانِ
موتِ غاباتٍ وسهولٌ
وقديمٌ جداً .. أحزاني
إني ساءلتُكِ فاتنتي
ماذا صنعتي بوجداني
مشواريّ يأخذُ مشواري
وصباحٌ يجتاحُ مكاني
وأنا بالمشرقِ مُنعزلٌ
بمدى خديكِ وأشجاني
وأنا بالمغربِ مُرتهنٌ
برُقى حرفيكِ وألحاني
وكما لا أملُكُ تذكرةً
لا أقوىٰ عبورَ الشطآنِ
وأرى صحراءكِ يانعةً
يا شوقَ النارِ لحيطاني
ماذا أهديكِ من زمني
يا ظّلَ الله بأجفاني
يا موتاً يُغرقُ أفراحي
وسموماً تقتادُ لساني
فكما في الروحِ زائغةٌ
تختالُ محارمَ إيماني
أوراقُ دفاتري وجنوني
أشياءٌ تطفئُ نيراني
وخيالُ البالِ مختبئٌ
يقتادُ ملامحَ لُقياني
يا وجهاً يعرفُ ذاكرتي
وأنينا يجتاحُ كياني
يا مطراً قد رشَ سُهادي
ونسيماً يطرقُ أجفاني
ماذا أهديكِ سيدتي
ودواؤكِ يختارُ جِناني
فأنا لا أملكُ في الدنيا
إلا خديكِ ونسياني



الظهران

١٢ نوفمبر ٢٠١٢

الاثنين، 5 نوفمبر 2012

رسائلٌ لا تنتهي ..


إلى أمي التي خلقت حيزاً في جسدها كي أحيّا أيامي الأول ، التي مهما كبُرت في عينيها أراني أضمحل ، تلك التي أهدتني فراش الورد للرحيل وآثرت مُعانقة الغياب .. كلما تركتُ فضاءها ملأتهُ بالابتهال وعطرتهُ بالدمع ولأنها رسائلٌ لا تنتهي فإن صوت دمعتها على الأرض دويّ لا ينتهي ..



إلى محراب الشوق الذي غمرني يوما بالحنان وامتص من شبيبتي ريحُ الابتسام إلى تلك التي لا أعرفها وخَلّدتْ ذكراها في ليالِ السُهاد ، التي تركت أيامي الماضيّة في المخاض وحاصرتها بدماء الأنين وقطرات الجوى .. إلى منْ ؟ لا تسّل بعضُ الأشياء بلا سبب .. ولأنها رسائلٌ لا تنتهي فأنا الجنديّ المفقود في هذا الجهادُ حتى الآن ..




إلى فوهة الحنان التي غمرت طفولتي بالسكون والتأمل ، التي امتدتْ بالتأمل في كينونتي قبل أن أتأمل شوارعُها ومراسمُها التي تركت على وجهي جلالها ، التي فرشت لي الأيامَ من سوادِ أعينها .. طبيةُ الطيّبة التي مزجت تُربتها بجسد أشرفُ الخلق
واحتملت حماقة طفولتي وجنون ولعي وسقطاتُ عشقي وأساريرَ عبراتي ..
ولأنها رسائلٌ لا تنتهي فعسى أن لا تنتهي الصلاةُ على سيدها وساكنها عليه أشرف الصلوات وأتم التسليم ..




إلى كل صديق وصديقة مررتُ بهم ولا زلت في حيّز ركبهم أبحث عن بريقهم وأُخفي برقهم كي لا أرى شعث السنين في مُحياهم فهم مرآتي التي لا تنكسر وثرواتي التي لا تُحصى وأيامي التي لا تيأس ، وآمالي التي أهوىٰ أولئك الناظرين عن كثب في صراعي مع الحياة ورغم حماقة غيابي إلا أن أعينهم لا تيأس عن الابتسام لنظراتي الشحيحة ولأنها رسائلٌ لا تنتهي فالحُب لهم أبقى ..


الظهران

٥ نوفمبر ٢٠١٢

الجمعة، 2 نوفمبر 2012

قهقهةٌ بصوتٍ مُنخفض

لولا خشية التسكع لقلت بأننا نبدو أكثر أناقة ومرحاً عندما نسير على الأرصفة أمام الساحل المملوءُ بالوقت والانتظار في ساعات الليل المُتأخرة .. فهنا لكَ أن تشعر كم من السعادة يسكنُ في قاع البحر وكم من السعادة يسكنُ على ضفافِ شفاتنا ويندفنُ في صدورنا ، كم من الضحك يُمكن أن يتعالى في ليلةِ تعبرُ خاصرة جدة الذكرياتُ فيها ويُمطرها الحنين ويتساقطُ الشعرُ كالشعرِ الحرير ..

بالرغم من كل شيء هي حواؤنا كما هي الأمُ ..
وأنشد من (الرخيف) أو (التخريف)
تبقى أماً وإن أُغتصبت ..
قلْ قد جاءها المخاضُ إلى شط الهوى ..
بل قلْ جاءتها الروحُ العامريةُ للمكوث ..
قلْ بل أنها مهبطُ الروحَ في صُحفِ النساء
سلّ عن دواكِ اليومَ فيها
أم حاصرتكَ سُحُبُ المخاض
سلّ عن بيعةِ العمرِ فيها
كيّف بل كيّف صانت عِرضها عن زمنِ اللقاحْ
يا موعودةَ الوحيّ المؤجلِ دمُكِ الضُحى
وأعتاقُ الربيع ..


إن الزوايا وإن كلّلها الهجرانُ فإنها عاشت لحظاتُ العناق وترّهاتُ العُشاق إنها عاشت قبل أن يلّدُ العشاقُ لنا شاعرا مغمورا، وآخرُ مابين مخمورٍ ومسحور ، وأديبٍ مشهورٍ لأدبهِ أحيانا ولقلةِ أدبهِ أحياناً أُخرىٰ وقبل أن يَخِيط الغُرباءُ أحياناً ثياباً للساكنينْ .. وقبل أن .. وأنّ تلدُ في صدري شمسُها الأخيره ..


ليومٍ في مساعِ الحيّ رتل
قصيدةَ النورِ
ها أنتَ من كُتبِ الهوى جئتْ
وفي كُتبِ السماءِ قرأت
مغمورٌ كلُ عاشقٍ، لم يسمعْ نداءَ الشوقِ فيكْ
مقبورٌ كلُ شعرٍ لم يرى النورَ فيكْ
يا وطناً للشمسِ
يا لُعاباً بالأمسِ غطىٰ
بارقةَ الهمسِ
إذ لُعابُ النهدين مزقَ وجهَ النسيمِ
واستضاء
فهلْ في لُعابِ الطفلِ رجسٌ
أو في التحامِ العشقِ ألمٌ
أو جمراً توقدَ للشقاء
هل في كتابهِ من نبأ القومِ زُبراً
إذ يسدلُ الموجَ أستارَ العُراة
ويستمدُ الثوبَ من عرَقِ النصيحْ
يا أرضُ ابلعيّ شوقَ الحالميّنَ
وقُبُلاتِ اللقاء
عاهدي كلَ عاشقٍ
ذاقَ طعمَ المساءَ .. بالبقاء
يا بقاء ..
يا بقاء ..


هي البسمةُ التي تُغني عين الرقيبِ عن النقيبِ تسكنُ أعماقَ أعماقُ الصِّبا وأعماقُ الدبور .. هديراً بليل كتنهدِ قبلاتِ العاشقين وآهاتُ تنفثُها أرواحُ المُحبين على صدور المُحبين .. لك أن تشعر بلا غياب فكلُ أنثى كانت هُنا ذاتَ يوم نزلتْ هُنا كما شاء لحواء أن تهبط هُنا .. هي تتنفسُ بالأمل وللأمل .. لا شيء يشفعُ لها للبقاء إلا صوت أصابعِ المُحب التي مرت على شفاهِ عذراء ذاقت ثورةَ الإحسانِ دون خضوع ..


لا بُد للقلمِ أن يصمت ويتركُ أنغامُ العاشقينَ تثور وحدها بأهلةِ الليل وضحكات الخلود .




جدة
٢ نوفمبر ٢٠١٢