الأربعاء، 23 يناير 2013

كنّ أنتَ أو أنّت ! ..

كلما أدرنا عقارب الساعة لنسبق الوقت ونُصارع الزمان لتدور عجلاتُ عقولنا وتتحطمُ حوافر الجهلِ في عربتنا الصغيرة ، كلما أنبنا عن ظلامٍ دامسٍ أتىٰ بظلٍ آخر وطوحَ بأنوارنا بعيداً عن إشراقةِ البال ولمعانِ السؤال.


كلما حشدنا صفوف الجهد في سبيلِ البقاء والإحلال وخضنا حُروب الإثباتِ لأفكارنا ومن ثَمَ صُدمنا بخسارةِ الموقعة أدركنا أننا كُنا نجهل قواعد اللعبة ومفاتيح الوصولِ إلى المُراد. زرعَ الأمل في قلوبنا ألوانَ بهية تعتصرُ الإرادة وتستميل العدوَ إلى القمم ، فجئنا مُقبلين لإكتساح جذور السواد من محيطنا الخاوي فأثمرنا فيضاناً هائلاً يخلطُ الأوراق بين الفينة والأُخرىٰ ، لا نزالُ صامدين في وجه المخاض نُقاوم احتضار اللحظات التي تنهال لتقفَ بيننا وبينَ آمالنا كجسرٍ للعبور تنوءُ بقدرِ المسافةْ، نقفْ ثم نمضي ، نمضي ثم نقف مُكبلينَ بشهوةِ الحياة على ضفاف النهر اليانع والجنةِ الخضراء. وعندما نُسرف في الجُهد نتوقف لبرهة نسألُ فيها عن أمانينا وأنماطنا الذهنية التي غشتْ على فوهةِ الذكرىٰ وبركان الواقع .. ويبقى السؤال : لماذا نفعل كُلُ هذا؟ هل هي الرغبةُ الإشراق؟ ، أم الإصرار على البزوغ؟، أم أنها سُنةُ الوجود ؟!، هُناكَ شيءٌ ما يدفعنا لأن نكون مختلفين لأن نكونَ أكثرَ اشتعالاً وأقلَ رماداً عن سائر الكوّن .. هناك شيءٌ يزجُ بنا في سُبل البناء في قيعان الدمار داخل أحواضِ المتخاذلين الذينَ يبقونَ كما هم بعد أن نبسط لهم الأرض ليمشوا على آثارِنا فلا يفعلون! ، عندها يتغيرُ السؤال فيكون: لماذا نفعل كُل هذا من أجلهم وهم لا يُثمنونَ ذلك؟! ، ونتناسىٰ أننا نؤدي طقوساً في صومعةِ الحياة، شئنا أم أبينا ، سنمضي في طريق الشاهقينَ إلى العناء .


كنّ أنتَ أيُّها الأنسان .. فكلُ هذيانٍ تُقدمهُ ساعديك ويُثني عليهِ لسانُ الحلم فيك هو صلاةٌ شافعةٌ في سماء الإيمان المعطرة بأحاديثِ الأمل. شئتَ أم أبيت ستكنسَ الطُرقاتِ وستعمر الأرض وستبيع المحبة إلى أن تشتريها نجوم السماوات.




المدينة النبوية

٢٣ يناير ٢٠١٣

الثلاثاء، 15 يناير 2013

اشتباك!

تخبو نبرات الكلام في قلبِ السكون ويتصاعدُ البوحُ في سماء السكوتِ حتى يُعري قامةَ النسيانِ الأزليّ .. يبدو لنا فمُهُ المليءُ بالكلمات وأخبارِ الهوىٰ ، كلما أجّزنا ساحته لندونَّ أعراضهُ ونُداوي جريحه أسرع في العدوِ فضرب علينا التيهَ في مُبتغاهْ .


كنتُ أستدنيهِ حتى أوازنَ قامتهُ بين الكلمات وأُصفصِفُ كلماتَه في سطورِ العقل فأرسُمُ لهُ أبعاداً كما تعودتُ ، وأُحاكي أبعادَهُ المترامية على أطرافِ الإنحراف. ضربتُ عليه السفر لينشغل عن شُربِ مياهِ الغوايةِ المالحة، تركتُه يمشي على خطٍ مستقيمٍ بين الأرض والسماء وأدرتُ لهُ سرعةَ الضوءِ ،ذاك أنا .. أو هكذا كنتُ مذُّ تحسست ألغازَ هذا الكون قطعةُ خاصرةَ الأرضِ وما زلتُ طائشاً يُنقلُ فؤاده بين أنقلضِ الهلاكْ .. كائنٌ يسكنهُ الخوفُ من عدمِ الخوف ، قامتُهُ تمتدُ من أقصى الحجاز حتى نقطة الشرقِ حيثُ تبدأ الأشياء يلتقطها طفلُ الحبِ فيحولها إلى لا شيء ، أو يعودُ بها إلى حيثُ كانت كاللاشيء. وأتسائل ! .. هل هو الحُب أم أنهُ وهمُ البقاءِ الذي يُجاذبنا إيمانَ الرحيل؟! ، طالما كانَ هذا السوادُ الأعظم يجتاحُ أسوارَ الخطيئة فيمضي بنا فوقَ قارعة العقل ، يحولُنا في ثوانٍ إلى مسحوقٍ باليّ. ذاكَ الهُلامُ السامريُّ الذي تركنا نهويّ إلى قيعانهِ المُرّة ، بعد أن حُجبتْ شمسهُ السمراء عن أبصارِنا وعنّ أسماعنا.



كل شيء اقتادنا إلى نفقِه المُظلمِ كانَ ثوباً من حميم ، وصيباً من هلاك ، وزمهريراً من ريحٍ صرصرٍ عاتية. هذهِ قامتي انتصبْ لتُناهضَ شياطينهُ وتستدعي يد الهوانِ فيهْ .. ها أنا لستُ أدري بعد أينَّ أتيتْ وأينَّ سأمضي دونَ أن أُشهرَ سيفَ النبوءةِ في وجههِ ، وأستردَّ سلحتي الخضراءَ من نارهِ المُلقاةُ في أرواحنا.




١٤ يناير ٢٠١٣
في السماء






الأحد، 13 يناير 2013

متىٰ نقف؟!


تمتدُ خطوات القطار الذي هجر سكةَ الوصول وامتطىٰ فلكَ التيه في أقاصي الظلمات ، كلمّا صرخ به سادنُ الشمسِ ليأوي ضِلاله أغلقَ عيناهُ واكتفى بالاستبسال في الضياع.


لم يُفكر يوماً فأن يمتص أنفاسه من ماء الحياة ويُطهر يديهِ من الطحالب السوداء وثيابهُ من وهم الذاكرة.
كنّا على الماءِ لمّا تطايرت نيرانُه الموسمية وهي تخوضُ في قلب الصيف صحوتها المرة وتأكلُ كل ما زرع النسيانُ وجادت به الصفوة، أسكنَّ فؤادنا الخوفُ وراح ينفثُ التُرابَ في وجهِ البشارة، كان أول المنتظرين بعد رحيلِ البسمةْ ، كان أول الماكثين في محطاتِ الغفلة .. حدّقَ بنا إلى أن انتحر السلامُ بيننا وانطفأ صوتُ النايّ فقامَ خطأ يمُدُّ قامتهُ على جسر العبور مُتصدياً للهفةِ الخشوع وخِيالِ الأمل.

جئنا هُنا في ضِلالهِ أو ظلاله ، نمضي على الضحيةِ بأقلامِ الدماء ونرفعُ جباهنا لزمهرير الهلاك بين راحتيه .. مضى على اعتقالِ الروحِ فينا قرونٌ عدةْ ، نُعاقرُ جهله ويُقامِرُنا بالسكون ، شرّعنا لهُ مناكبَ الموت فسلسلَ نبعُ الحياةِ بنا حتى ادلهمْ بنا وجهُ الخطيئة .. اليوم إن شئنا أن نُحطمَ قامته لا بُد أن نمتحنَ صبرَ القرونَ العاتيات ! .. لا يمكننا أن نجُدَّ خُطاهُ إلا بسيفنا المفقودُ في أعماقه إلا بشعرِنا الذواقُ في فمه ، أو بوحييّنا الخلاقُ في فلكه .. هُناك شيءٌ ما في قلوبنا يعرفُ سر الخلاصِ منه، هُناكَ قدرٌ مخبوءٌ في أحلامِنا تكونُ بهِ النجاةِ من السيدِ "الظلم" الذي سرى في دماءِ أُمتنا .. أقرناً آخراً يكفي بالوفاء .. أم دماءً أُخرى تجودُ بالنجاة!

متى يقومُ النصرُ فينا مُردداً:


أَنَا خَاتَمُ المَاثِلِينَ علَى النَّطْعِ
هذَا حُسامُ الخَطِيئَةِ يَعْبرُ خاصِرَتِي
فَأسَلْسِلُ نَبْعاً مِنَ النَّارِ يَجْرِي دَماً
فِي عُروقِ العَذَارَى أنَا آخِرُ الموتِ
أَول طِفلٍ تَسَورَ قامتهُ
فرأَى فَلَكَ التِّيهِ
والزَمَنَ المُتَحَجّرَ فِيهِ
رَأَى بَلداً مِن ضَبابٍ
وصَحْراءَ طاعنةً فِي السَّرَابْ
رأى زَمناً أَحْمَراً
ورأى مُدُناً مَزَّقَ الطَّلْقُ أَحْشَاءَها
وتَقَيَّحَ تَحْتَ أظَافِرِهَا الماءُ
حتَّى أَنَاخَ لها النَّخلُ أَعْناقهُ
فَأَطَالَ بِهَا... واسْتَطَالْ
وأَفْرَغَ مِنهَا صَدِيدَ الرِّمَالْ



١٣ يناير ٢٠١٣
الدوحة