الأحد، 31 مايو 2015

حبرٌ

ورقٌ يصعدُ في يديَّ ويهبطُ
حبرٌ ، إلهٌ ،
حبلُ مشانقٍ وتخومُ ..
جسدي خيالُ وضلعيَّ أعوجُ
والبحرُ أعضاءٌ
تُعاقرها النجومُ.




الظهران

٢٢ آذار ٢٠١٥

ما نِمّتُ كي أصطاد رُؤيا في الكرى



تفتتحُ باكورة التأمل في يومك أو عامك وفي اللحظات من حولك ، فربما لا تجد ما يشفي غليلك من الوصف ، طالما ترددت أبياتٌ من هنا وهناك في ذاكرتي لتخترق مظاهر الواقع من أمامي ، بقدر ما تكونُ جميلةً وبائسةً وحالمةً في آن واحد. 


 في 'ما لم تقلهُ زرقاءُ اليمامة' يُكشفُ محمدُ مصيراً ، يروضهُ من حيث لا تدري ، يجعلهُ مواتيا حيّناً وحيّنا غير موات. كل شيءٍ هنا يدخل من بوابةِ الحزن ويخرجُ مبتلا بالأمل.

يصوّل ويجول ويُركب الأشياء فوق بعضها البعض ثم يفككها ويلقيها في وجهِ اللغة، علّها تبتكرُ لهُ طريقاً وتبني لهُ منزلا. 

هكذا يبتدأُ محمدٌ قصيدتهُ وكأنه يوقف الواقع ليرى صورته في مرآة الدمع، دمع الأنبياء الذي يكشفُ عن جحيم المستقبل.

شيءٌ
يُطلُ الآنَ من هذي الذُرى
أحتاجُ دمعَ الأنبياءِ
لكي أرى

يسيرُ مستدعيا كل أروقةِ التاريخ علّها تُخيرهُ في نبوءةٍ ما، ويُسائل هذا التاريخَ وماجناهُ من أحجيةٍ باتت تؤرقهُ اليوم ولستُ أدري إذا كان يرغب في القول ما إذا ابتكر أباؤنا التأويلَ كي يفصلون به بين قداسة النص وجدلية تأويلاته أم أن التأويل وحيٌّ آخر يملأ جعبتنا ويُثقل كاهل الأسئلة علينا ، وكيف تبدو أحوالنا نياماً ، لستُ أدري ولكن الأبيات تأخذني لذاك، ثم أصحو على فاجعة الشجر وماءهِ المتبخرِ رهنا للعرافة : 

النصُ للعرّافِ..والتأويلُ لي
يتشاكسانِ هناكَ
“قالَ” و”فسّرا”
 ما قلتُ للنجمِ المعلّقِ: دُلني
ما نمتُ
كي أصطادَ رؤيا في الكرى
شجرٌ من الحدسِ القديمِ
هززتُه
حتى قبضتُ الماءَ حينَ تبخّرا

يتابعُ نبوءته، يتشبث بفانوسها كي يكشف عن غياهب الحاضر التي تشتبك أمّامنا ويدرك أن السواد مصيرٌ لا مناص منه، حتى على جسد الأرض

لا سرَ
فانوسُ النبوءةِ قال لي:
” ماذا سيجري”
حينَ طالعَ “ما جرى”
في الموسم الآتي..سيأكلُ آدمٌ
تفاحتينِ
وذنبُه لن يُغفرا
الأرضُ سوفَ تشيخُ
قبلَ أوانها
الموتُ سوفَ يكونُ فينا أنهُرا


وما إن يتفجر هذا الظلام حتى يبدأ الشاعر في استدعاء التاريخ كله، يُمثلَ لنا صيرورة المستقبل، مجادلا الموت والحياة والأرض التي تفرد صدرها لمدى الاحتمال ، حتى تلك الصحيفة السومرية التي تحمل تاريخ ما قبل الطوفان أو بعده، لم تعدْ تُثنيه عن متابعةِ الاحتمال. ربما كان ينوي النجاة بالظلام من هذا الهلاك، بتنبؤاته التي لا تترك للمدى شهوة المفاجأة

وسيعبرُ الطوفانُ من
أوطاننا ..
من يُقنعُ الطوفانَ أن لا يعبُرا؟

وكأنني أتحسسُ هذا المستقبل بملامحه الجهنمية ، ارفع عيني على شمس قد تضيؤهُ ، لكنه يعاود تنبؤاته ليُّقر التيهَ مرةً أُخرى. إنهُ يستدعي الجوع والفوضى والصخب وصيحات الضجيج، ويستدرج القرامطة الجدد لأن يصيحوا صيحتهم، أن يقطعوا سُلالة الانتظار ويبدأوا أخذ أمكنتهم في قافلةِ الحياة ، ويبحث في مصير اللغة التائهة في أفواهِ البشر

ستقولُ ألسنةُ الذُبابِ
قصيدةً
وسيرتقي ذئبُ الجبالِ المنبرا
فوضى…
وتُنبأُ كلَ من مرّت بهم:
سيعودُ سيفُ القُرمطيّ
ليثأرا
وسيسقطُ المعنى
على أنقاضنا
حتى الأمامُ سيستديرُ إلى الورا

ما الذي قد يجنيه شاعرٌ يسيرُ إلى التاريخ ويستعيدُ ولادتهُ أمام عيون القارئ التائهِ في دهاليز السراب؟ ، حتى الشنفرى الذي أفنى حياته غازيا يظهر لنا بين أبيات القصيدة حاضراً متصعلكا وعداءً وربما منتقما ، ويترك هذا المستقبل تائها دون حادٍ ولا مرشد فرؤوسنا التي يراها ستصبحُ عاريةً أمام الاستبداد بلا مُخلص ، وبلا رحمة هنالك ، حتى اللحى التي تتحدث بإسم ميراث الحقيقة ستتجاهلُ أشلاءنا كما لم تكنْ


في الموسمِ الآتي
ستشتبكُ الرؤى
ستزيدُ أشجارُ الضبابِ تجذرا
وسينكرُ الأعمى عصاه
ويرتدي
نظارتينِ من السرابِ ليُبصرا
سيرى القبيلةَ وهي تصلبُ
عبدَها
فـ”الأزدُ” لا زالت تخافُ “الشنفرى”
سيرى المؤذنَ والإمامَ
كلاهما
سيقولُ ” إنا لاحقانِ بقيصرا”
في الموسم ِ الآتي
مزادٌ معلنٌ
حتى دمُ الموتى يُباعُ ويُشترى

ويتم شاعرنا تنبؤاته، تاركا أقواله أمام جلالة الرؤى ، أمام إلياذة الكاشفين عن الطريق، يستفهمُ ويستطردُ ويغوص

ناديتُ:يا يعقوبُ
تلك نبؤتي
الغيمةُ الحُبلى هنا لن تُمطِرا

وكأنه يستدعي شيئا ما ليّوقفه عن التيه في الظلام، في الإحباط ويشعل شمعةً في نهاياته كي يتبصر التأويل

قال:اتخذ هذا الظلامَ
خريطةً
“عند الصباحِ سيحمدُ القومُ السُرى”
لا تبتأسْ
فالبئرُ يومٌ واحدٌ
وغداً
تؤمرُّكَ الرياحُ على القُرى


وماذا عن الكلمات الجميلة، ماذا عن الطبيعة والشعر والحاضر المضيء  ، أيترك شاعرنا كل ذاك؟ 

اخلعْ سوادكَ
في المدينةِ نسوةٌ
قطّعن أيديَهن..عنكَ تصبُرا
قمْ صلِ نافلةَ الوصولِ
تحيةً
للخارجينَ الآن من صمتِ الثرى
واكشف لإخوتكَ الطريقَ
ليدخلوا
من ألفِ بابٍ إن أرادوا خيبرا


وماهي إلا كلمات يغير فيها مسار المستقبل البعيد، مستوحيا من سواد الحاضر مصيراً آخراً ، فكأنه يسكنُ في الجُبِّ ويعلم يقينا ما ، ويرى قميصَ يعقوب يلوح في أفقٍ مبهمٍ ويطلب منّا أن نمسك بخيطِ ضوءٍ، أن نحبس أنفاسنا حتى يتبدى لنا المطر :

ستجيءُ سبعٌ مرةٌ
فلتخزنوا
من حكمةِ الوجعِ المصابرِ سُكّرا
سبعٌ عجافٌ
فاضبطوا أنفاسَكم
من بعدها التاريخُ يرجعُ أخضرا
هي تلك قافلةُ البشيرِ
تلوحُ لي
مُدوا خيامَ القلبِ
واشتعلوا قِرى
أشتّمُ رائحةَ القميصِ
وطالما
هطلَ القميصُ على العيونِ وبشّرا





المدينة المنورة

١١ آذار ٢٠١٥

الأحد، 24 مايو 2015

مواربةْ



-١-
متأملٌ في الدمِّ الذي يُسكبُ في كؤوس الأرضِ
ربما قيّل 
: هذا القتلُ أهونُ من تمامِ الذاكرة !


-٢-
يبحثُ عن ذاكرةٍ مُكْتملة، كأنهُ يتَرجَى السماءَ أنْ تُطوّقَ الأرض فوقه ! 


-٣-
قلّما يشهدُ الرملُ لحناً جديداً، قُلّ ليْ إذاً ماذا اقترفتَ لكي تصيّرَ رملاً؟ 


-٣-
عالمٌ يلتحمُ بالخلّاصِ مُقدماً قرابينهُ بشراً
وأشجارهُ وليمة ..
ماذا تُسميّهِ أيها الرملُ؟ 

لا أسمعُ الآن أي أغنيةٍ ، ولا أُحسُّ الآنَ بالأبدِ.

-٤-
ألبسُ وجهاً ثم انتظرُ إقتراب الصبحِ لكي أخلعه، 
أطوفُ بالوجعِ المُصابرِ،
 أُصاحبُ فتنةً ..وأصيّغُ أُخرى

قالتْ الأرضُ : لماذا اخترتني وطننا؟ لماذا أنا؟.


-٥-
أعجبُ ما يفعلهُ البشر : انتظارُ المطرْ
كأن لا شيءَ يغسلُ درنَ الأرضِ إلّاه. 

فلِما إذاً نسمي المكانسَ التي لا تُعطي الأرضَ نشوتها؟


-٦-
أعرفها ، أو أدّعي ذلك ، تلك اللحظةُ التي ينتظرُ الغيبُ فيها
دماءَ البشر! 


-٧-
لماذا يجهضُ الماضي كل محاولاتِ الدهرِ
أن يصغي لأفواهِ النساءِ اللاتي انتظرنَّ مجيء القدر؟

العالم العربي يشبهُ النسوة في ضجيجهن المتواصل (الخلّاق) بدون استجابة من الكون.


-٨-
إجابةً للأصدقاء الذين يطالبون بالكتابة :
لو أدعو إلى لغةٍ، لن تكونَ غيرَ منفى
وكيف يبدو بيني وبينَ النارِ خارطةٌ
اسّمُها "وطني".

أتساءلُ : كيفَ لايكونُ القدرُ ذا سطوةٍ، وأنتَ لا تختارَ وطنك؟.


-٩-
يدُّ اللهِ التي تخلقُ ، أليست تُريدُ لهذا الآخر أن يكون؟
فلماذا، إذا يحاولُ العالمُ أن يستنزف آخره؟

-١٠-
(غاندي) 
مثلُ أنبوبٍ يحتضنُ العالمَ وحدهُ قلبي يضخُّ الدمَّ لهذا الدماغِ الذي يسمى ضميراً.

-١١-
ماذا يفعلُ عقلٌ يسيرُ وحيداً في وسط جزيرة كهذه؟، ما الذي يحميه من الماضي وذاكرةِ الجماعة. قلتُ : أحياءٌ بلا موت، من عمّروا الحاضرَ بسطوةِ الماضي.


-١٢-
هذه الأجيال التي تتناسخُ من بعضها ، كأنَّ آدمها صخرةٌ. لما تُريدُ أن تبقى إلى الأبدِ؟.

-١٣-
شرقٌ أوسطٌ ، يتوسطُ المحيطات كأنهُ يجرّها إلى أن تتلوّن ، لا بلّون السماء، بلّ بلونِ الوردْ ! 

أتذكرُ تلكَ الوردةُ التي قتلت 'ريلكا'.



22 حزيران 2015