الثلاثاء، 23 يوليو 2013

زلازل

وينطوي الوقتُ على رسائلِ البريد، قبل أن تنهض الأشياءُ كي تجزَّ الظمأ، كانَ الفراقُ قدراً يُطوقُ أسرار الطفولة، وغياهب الماضي، لا أزالُ أتذكر البراءةِ التي تقاسمتها في قريةِ "مضايا" الصغيرة في محافظة ريفِ دمشق، في كُلِّ صيفٍ من أعوامِ الطفولة مع الأصدقاء هُناك.

في منزلٍ صغير بداخلِ مزرعةٍ للزيتونِ والعنب، بقيَّ لنا هُناكَ أشلاءَ ابتسامة، أنا وسامح ومُراد وريما ودُنيا الأخوات ، لمْ نعد نعرفُ أشكال النجوم ولا ضوء القمر فاللعبُ هناكَ يبتدأ مذُّ بزوغ الفجل بين أطرافِ النحلِ وبقايا الفراشات. لمْ نكن نعلمُ بما يحدث خارجَ هذا المُحيط ، سوى أن نجري لشراءِ "البوظة" كلَّ يومٍ مره!. هكذا كانت تنقضي ساعتُ هذا النهار، لا شيءَ يُعكرُ صفونا سوى النحلُ الذي يتربصُ بنا عند النزولِ إلى حمامِ السباحة. كان سامح أطولُ قامةً مني ومن مُراد أسودُ الشعر، عيناهُ جاحظة وكان مُرادٌ نحيل القامة ، خشن الصوت رغمَ طفولته، أما ريما فكانت أجملُ "الصبايا" لا تتحدث كثيرا إلا عندما يسألُها البائع أيُّ نوعٍ من المُثلجاتِ تُريد، كانت دُنيا تصغرنا سناً ولكنها أكثرُنا قدرةً على التعاطي مع البائع ومع الفلاحين في المزرعة، كانت تتحدث ونستمع لسحرِ حديثها وقصصها رغم الصغر، كانت تتحدث عن صديقاتها في المدرسة وعن جارتهم المجنونة، وكيف أصبحت ماهرة في التعاملِ معها، وهي الوحيدة القادرة على اقناعها بالعودة عندما تخرج هاربةً من المنزل. كُلُّ ما في دُنيا يدعو إلى التأملِ ومحاكاةِ التجربة. وبعدَ انتهاءِ الصيف كل عام ، أحملُ ذكرياتي الجميلة لعامٍ دراسي جديد ونتبادلُ الرسائل ، اكتبُ الرسالة واحتفظُ بها إلى أن تشاءَ الظروف لي أن أصل إلى مركز البريد وأُرسلها لبريدِ أمِّ سامح وانتظرُ مرور الشهر حتى تصلني رسائلُهم بالرد.

بعدَ انتهاءِ صيف ٢٠٠٥ وعن عودتي للمدينة أرسلَّ سامح يقول : "حدثَّ زلزال وأدى لسقوطِ منزلِ ريما ودنيا، ريما وأمها يعيشون الآن في منزلنا، ودُنيا صديقتنا الحكيمة راحت الجنة " .. ومُنذُّ ذلكَ الحين أبحثُ عن براءةٍ وحكمة !

الأحد، 14 يوليو 2013

الخليج وسيّلُ الموازنة ..


تبدأُ سلسةُ التكوين المجتمعي من صميم العُرفِ المتوارث مزودةً بتقاليد ورغباتٍ تطلعية للتوجه الوطني الموحد في سياقٍ مُوجه ، تمر ذاكرةً الشعوب لتعرج على قارعةِ الطريق، ولاينفك جمهور الجمعِ يسأل عن بوادرَ الغنيمة التي تلوحُ بالأفق على كافة الأصعدة. 
يبقى من اللحظاتِ ما يصبُّ في خارطةِ الطريق واحتمالات المتابعة. 

ولعلَّ ما يُحيطنا اليومَ من فضاءٍ جديد تطغى عليهِ أسرارنا المُثلى وطرائقنا المختلفة وإن نابها ضربٌ من التشويهِ والإقتراف مما يؤخرُ كونها صورةً واضحة تُشيحُ عن وجهِ تركيبتنا المغايرة. 
ولنا أن نعي التباعد المفروض بين ساحة الصوت والصورة إذ أن منهجيةَ الإعلانِ عن مشهد العموم تنأى بما تُمليّهِ الظروف والأحداث، وبالرغمِ من اعترافنا ضمنياً بأن منهجية رأس المال تطغى اليوم على سلوكيات الحياة ومنابعِ الرأي وبؤرةِ الأحداث فهذا يضعنا في مكان الحدث مكممين الأفواه والأيدي، ففي أغلبِ الأحيان لا يتسعُ الفضاء لقولِ الكلمات أو لإحداث الفروقات في فضاءِ مُجتمعٍ ما إلا بوجودِ المفاتيح المؤدية لذلك ومن أهم هذه المفاتيح على الأقل في دولِ الخليج هي رؤوس المال، فلذلك نرى أخطاءً عدة في سلوكيات التعبير والمجاز. 
ولا ينتهي هذا التأثير عند حدٍ مُعين بل يطالُ كل منتجاتِ الأيدي ومُخرجات العقول ومباحث الفكر وهذا بيّنٌ في أرجاءِ عالمِ اليوم. إن ما نشتكي منهُ منذُ عقود عن تردي الإنتاج الفني والثقافي والإعلامي ومختلفِ الأُطروحات هو من جراءِ اغفالنا للنظام الرأسمالي المُتداخل في تكويننا المُجتمعي ، ويبقى الجواب البديهي لهذا التعجب في الإنحدار هو انعدام الفرص أو احتكارها من قبلِ فئةٍ ما نجحت في صنع رأسِ المال أو التجارة ودخلت في مجالات الإنتاج البشري المتعددة بسلطة المال ولأنها لا تملك من مقومات هذا العمل شيئاً فمن المؤكد اهتمامها البحت في الجانب المادي دون النظر إلى الجانب التقني أو الفني في العمل ويبدو هذا جليا خاصةً في مجالِ الفنونِ والثقافةِ والإعلام.
سيكونُ من غير المُنصف أن ندعو إلى محو هذه العلاقة الرأسمالية بالإنتاج الإنساني لأن لها سيادة في جميع الميادين وفي مُختلفِ الأرجاء ولكن تبقى لنا أن نفهم هذه التركيبة ونعترف اعترافاً صادقا بتأثيرها الشديد على المنتج الانساني في مُختلفِ الميادين. ومن غير المُنصف أيضاً أن نرمي باللائمة على أجيالنا الحاضر ونُحملها مسؤولية التراجع في الإنتاج وهي بكل تأكيد لم تكن أقل كفاءة مما مضى أو هو قادم، ولكن الخيار المادي أو المالي كان اللاعب الرئيس في تشكيل الصورة ، فلو استطعنا أن نوائمَ بين نظامنا الرأسمالي الغير مُباشر وبين الكفاءات الحقيقة لاستطعنا الحصولَ على المكسبينِ معا ماديا ومعنويا.

يقول جان بول سارتر : بالأحجار قد تبني للحريةِ معبداً وبالأحجارِ ذاتها قد تبني لها مقبرة ! ، وقياساً على ذلك بالأموالِ قد نأتي بمنتجٍ بهيج وبالأموال قد نخلط الحسابات ونُسقط السقيفة على فنوننا وعلمنا واعلامنا وثقافتنا ونجعل من مجتمعاتنا مجتمعاتٍ أُحادية المغزى والطموح.


جدة

السبت، 6 يوليو 2013

وقت ..

يسريّ بيّ الوقتُ
فأنطفئُ على عجليّ
ويمتدُ وجعُ الأماكنِ بي
أنطفئُ على عتبيّ
وتستبدُ أحرفُ المارقينَ بيّ
فيعتليّ الوجعُ قامتي
وأبحرُ في فَلكٍ مبهمٍ
يلتفُ على عتمةِ الليلِ في أولهِ
أرى وطناً منْ سرابْ
يغرقُ بيّ .. 
لأغرقَ بهْ ..
فيستوي الحبرُ بيننا جبلاً
ينامُ على شعثي وجيدي ..
أيّها الساكنونَ في دميّ
إنيّ أرى الفُلكَ تجري لمُنتهاها
وأرىٰ الأقمارَ قدْ أخرجتْ  للنوِ أحشاءها
وأنْ السماءَ تلدُ جعبتها الأخيرة !


المدينة النبوية
٢٢ مارس ٢٠١٣

الخميس، 4 يوليو 2013

طائرة ..

يبدو الآن صوتي كطائرةٍ سقطت على محيطٍ واسعٍ ، لا أحدَ يسمعها هناك سوى أسرابِ الطيور وأسودُ الغابِ الذين تقاسموا الدهشة واستوقدوا الصمت. في أيِّ يومٍ تُشرقُ فيهِ الشمسُ أتجاوزُ الإشراقَ وأشتكي سُكنةَ الغربِ المليء بالذكريات ، والكلمات التي حفت شواربَها من السخطِ المبين ..
أفكرُ بالسفر إلى الشرق أو إلى أقصى غروبٍ قد يُذكرني بأن أتلاشى من الشوق وأعلو فوقَ سقيفةِ الذكرى ، فلُّظلِلُني السراب الذي انتزع أرضنا من العِمامة! .
يُدافعُ الإخفاقُ عن نفسهِ كلما رآني اقترب، ما أُحدثهُ عند اقترابي من مُحيطِ بزوغها يُشبه الإصغاءَ إلى حديثٍ مُبهمٍ في فضاءِ الجنون. أعلمُ أنني لن أصل إلى شيء يُغذي رغبةَ الهلاكِ التي تتراءى على كتفاي كلما اقتربتُ من الشباكِ وانبعثتُ إلى الأسى. سُورُها الأسودُ الذي تركتهُ على إيقاعِ ذاكرتي يكادُ ينفضُ من استدراجي لهُ وهو الذي حمى أيديهُ من العبثِ في أملي، هكذا كان وأعرفُ أنهُ أسدى إلى عمري معروفاً للسنين الماضية ، غدوتُ كالطفل الشقي الذي صارَ رجلاً شقياً يرفضُ الإقرارَ بأنّ حمايةَ أمهِ التي أزعجتهُ عند الصغر قد جنَّبتهُ الحوادثَ والأسى. ومن حِبرهِ الأسودُ بقايا لا تُقرُّ بأن لهُ ثأراً في الحكاية.

شعورٌ يفوقُ المناجاةَ يدورُ في خلدي وانتهي إلى كلامٍ لا أعرفُ فحواهُ أو ما يردُ في ذهنِ قائلهِ من حكايات لا تمتُّ إلى الحقيقة ولا تستريحُ إلى الخيال، وهل جِئتُ إلى أزلٍ يُعري ساحتي من سِواها ؟ ، ولكنيّ مُقيمٌ على أسئلةٍ تنوءُ بي إلى لا شيء! ، الوقتُ لن ينفذ في غضونِ الخيال ، ولكنهُ قد قُضيَّ في أمرِ الحقيقة ، ولن أُدركَ ذلك! 



جدة 
٤ آيار ٢٠١٣