الأحد، 8 ديسمبر 2013

مشهد

على الخارطةِ التي أنبتتها رياحُنا الحُرة، جئنا مُقيدينَ بالوقت، بالشوقِ وبالحنين. لا يتذكرُ أحدٌ منّا ولادتهُ ولا كيفَ يمضي النهاياتِ العديدة. وكأننا نودُّ أن ننتهي في إعصارٍ أو في آخر مشهدٍ من مصيرِ الولادة. وهذهِ الأعوامُ تنقضُ من حولنا ، دونَ أن نشي بالحقيقة، دونَ أن نُغرقَ الأفراحَ التي تجعلُنا مُثقلينَ بالخيبة، مُغتربينَ بما نُريد أو لا نُريد. 

كدأبٍ إيقاعٍ على سُدةِ النهر، معزوفةٌ تزفُّ الخارجينَ من بوابةِ الحياةِ وحتى الفضاءِ الكبير، لستُ أدري أكانت نفسي قُضبانُ هذا الزمن؟ ، كلُّ ما أعرفهُ عن الأيامِ بأنها تفعل بي ما يحلو لها وما يطيبُ لها أن تكون، لستُ أنا الذي أُقاسمُ الأقدارَ شهوتها ، ولستُ أسألُ عن قدرٍ يكونُ أنا. 
كلما امتدَّ هذا الموجُ الغاضبُ تحتَ قدمي مضيتُ نحو قارعةِ المكان المُهيئُ لمشنقتي. أواجهُ الواقفينَ على المنصة. أردُّ التحيةَ كما أرى وأعلمُ أنه يغرقونَ في دوامةِ الأنا. لماذا يسألونني عن ذواتِهم، ولستُ أحملُ معي ذاتي؟! . ماذا يحدثُ لي أيتُها الأرضُ إن أكملت دورَ المسرحية، وأخبرتُهم بأني أمسك بيدي أحلامهم الكبرى. ماذا سيكونُ بعد ذلك؟. إنني أشعرُ بهذا الشبهُ القديمُ يشدُّ حولَ خاصرتي الظلام فهل على الأحياءِ أن يحترقوا ليخرجَ هذا الضوءُ لهم. من علمَ الهامشَ بأنه جزءٌ من النصوصِ التي تقطنُ على خارطةِ الوجود؟!. أهي الكلمات التي لا تحتمل المعاني كلُها؟ ، أهي العصافيرُ التي تقطعُ وجعَ الناي؟ ، أهي نحنُ التي تغارُ من كلِّ ما كان ، وما سيكونُ في الأمدِ البعيد؟. في هذهِ الأرضُ صدرُ فاتنةٍ يتسعُ لنبضِ الأسئلة، فأينَ الكليمُ الذي يملكُ الأجوبة؟ .

في كلِّ عصرٍ تموتُ أُحجيةٌ ، إلا عصرُ إبراهيم الذي بدأ النزالَ على التجربة، سيفُه الذي خرجَ ليقطعَ يدَهُ لا يزالُ معلقاً في دروبِ الحياة. ونارهُ الباردة لم تعد تخشى جلودَ الرجال. 


الظهران

٥ ديسمبر ٢٠١٣

الجمعة، 6 ديسمبر 2013

السبت، 23 نوفمبر 2013

هل ذاكَ لامعُ برقٍ



يبدأُ التلمساني رحلتهُ في القصيدة من آخر دمعةٍ يتركها على مضض. يرسُمُ لنفسهِ المصيرَ المعلق على شذراتِ التجلي ، كصوفيٍّ بلا ملاذ ، كجمرةٍ تشتعلُ مساءً لُضيئَ قارعةَ الطريق.


لا يُريدُ هذا العتيقُ لشعرهِ أن يكونَ ساحةً من ساحاتِ الندم وإنما المصالحة على شرعيةِ الحزن 
العميق. يُخاطبُ أحباءهُ كما يراهم بريئينَ من الخطيئة عامرينَ بالقداسة والجلال :

هم ألبسوني سِقاما من جفونهمُ
أصبحتُ أرفلُّ فيهِ وهو ينسحبُّ
وصيّرتْ أدمعُي حُمراً خدودهمُ
فكيفَ أجحدُ ما منُّوا وما وهبوا

ممتداً بعروبتهِ التي وطدَ لها مرقدا في أطرافِ دمشق، يبدو هذا السائرُ الليل كالنهار، يذكرُ الجرعاء دوما وكأنهُ نبتةٌ تُبصرُ ما تكونُ عليهِ حالةُ الطقس ونسائمُ الرياحِ نحو الشمال، تلكَ الشمولُ التي تجعلُ كأسَهُ منتشيا ببرودةِ القمر ، تُدخلهُ نحو عالمٍ لا تلامسهُ إلا القلوب ومسرحياتٍ في فصلها الأول تُعبرُ عن استدراجِ اللذة :

أيا صاحبي ما للحمى فاحَ نشْرُهُ
فهل سحبتْ ليلى ذيولاً على الرُبا
فما ذا الشذا إلا وقد زارَ طيفُها
فأهلا بطيفٍ زارَ منها ومرحبا
فيا طيبَ عيّشٍ مر لي بفِنائها
ولو عادَ يوماً كأن عندي أطيبا

يتبسمُ هذا الشعرُ في مرآةِ ذاته ، لم يعلم بأنهُ سيؤنسُ ذاتَهُ في مخيلتنا أكثرَ مما فعل، يجعلنا بائسينَ عن الوصولِ إلى مصبِ النهر كي نشربَ الأُنس ونغرق في أطرافِ المحبة كيرقاتٍ أضاعت لونها في سوادِ البحر، يأتي لنا التلمساني بليّلاه ، ويرسمُ في مرآةٍ الزمانِ محبوبته كلوحةٍ منقحةٍ من خطأ الشحوب : 


لياليَّ أُنسٍ كُلُّها سحرٌ بها
وأيامُ وصلٍ كُلها زمنُ الصِبا
هي الشمسِ إلا أن نورَ جمالها
يُنزْهُها في الحُسنِ أن تتحجبا

كريمٌ هذا العفيف ، مُصنفاً في العلومِ لا يعرفُ الشبع، يصرُّ في كل مرة أن يُحاكي ظلّهُ الجائع بالعطاء ، بقتلِ الملامة وإشعال الآخر، لا راضخا إنما منتشيا كساهرٍ بلغَ ذروتهُ من الخمرِ لم يعد لديهُ للعتبِ مكاناً، يُصرُّ على تنقيحِ ذاته قبل أن تصلَ لأيدي الأحبه ، فنراهُ هُنا يُجردها من كلِّ شيءٍ سوى الحُبّ :

وهبْتُكَ سُلواني وصبري كِلاهُما
وأما غرامي فهو ما ليسَ يُوهبُ 
وقيدتُ أشواقي بإطلاقِ صبوةٍ
إليها صَباباتُ المُحبين تُنسبُ
فها أنا والساقي يُناولُ كأسَها
فأشربُ صِرفاً أو يُغني فأطربُ
فإن لامَ فيها الشيخُ طِفلَ غرامِها
على سُكرهِ فالشيخُ كالطفلِ يَلعبُ


أما الطبيعة ، فلم تكن رياحُ الصبا تُجاري هذا المسافر في عزلة الشعرِ في مرورهِ على أطرافِ النبات أو وجوهِ البشر، أسئلةٌ تُواجهُ أسئلة، فقرٌ في الإجابات تُغنيهِ الأسئلة، هذا هو الخط الزمني الذي امتص المكان في جملة ، هو التلمساني وشعره :

هل ذاكَ لامِعِ برقٍ لاحَ من إضمِ
أمِّ ابتسمتْ فهذا بارقُ الشَّنبِ
وتلكَ نارُكِ بالجرعاءِ ساطعةٌ
أم ذاكَ خدُكِ وهَّاجٌ من اللهبِ
لا أنقذَ الله من نارِ الجوى أبدا
قلبي الذي عن هواكُمْ غيرَ مُنقلبِ 


الظهران

الأحد، 22 سبتمبر 2013

~رائحة~

يغرقُ في عطرها
ثم يبحثُ في الحقيبةِ
عن ملاذٍ للهروبِ 
إلى الوجعِ القديم ..

يغرقُ في عطرها
ثم يمضي خطوتين ..
بعيداً إلى الزمانِ المُتكلسِ
وحدُهُ الآنَ
يأكلُ الجوعَ
ثمَّ يمضي
إلى الوقتِ الذي لا يعودْ

يغرقُ في عطرِها
ثم يمضي إلى السوقِ
بحثاً عن حياة ..
عن قمرٍ يُواسيه
وعن رمالٍ لها أوردة 


الخبر

٩ سبتمبر ٢٠١٣

الثلاثاء، 27 أغسطس 2013

فاتحةُ مشْهد

الصورةُ الأولى في كل مشهد ، لا تفيّ للخروجِ من عبقِ الحاضرِ وسطوةِ الماضي. لجسدٍ على ساحلِ البحرِ ينحازُ للتربة هناكَ من الماءِ ما يكفي لإطفاءِ الحرائقِ العابرة، وليس هذا الحنين الذي يفتحُ بوابةً للسماء يرى منها اسماً وشكلاً بلا مرآةٍ تُريهُ عمّرهُ وأمَده. يسألُ الحنينُ عن هويةٍ تأويه ، تُقدمهُ للجسدِ الذي يغرقُ في السهر والتخيل. وعلى فراشٍ كالثلجِ لا يسكنهُ الأمل يبقى الجسدُ مُتسمراً حتى انتهاءِ الخريفِ دونَ جدوى.


يرتفعُ اصبعاً واحداً ليشهدَ في الظلامِ إلى الكتابه، يُغني بصوتٍ رخيمٍ يعلو فوقَ أمهدةِ الظلامِ والأزل " هذا الذي تعرفهُ النياشينُ صارَ يغرقُ في شبرٍ من الحلوى .. في شبرٍ من الحُلمِ يغرق" ..
في الصباحِ يكتُبُ الجسدُ للأمواتِ والغرقى: حرارةُ الأرضِ لا تكفي لأدفنَ قدمي وأمشي إلى المجهول !. كان يكفي أن أُحيكَ قصيدة ، أو استدرجَ النخلَ لينمو في جسدِ الحبيبة ثم أتلو هزيعاً من الليلِ والجوع : هذا طعامٌ طاهرٌ وشراب. لا أرى أحداً من الأحياءِ يعرفُ كيفَ يتلو قصةً تمتزجُ بالسيرِ والقُبل دونَ أن يغرقَ في الذكريات ، دونَ أن يستوقفَ رائحةِ العطرِ التي امتزجت بماءِ الشفاة، بالآهِ ،بالأرق ، بالنومِ العميقِ الذي يأتي من الإلتحام، بضحكةِ الصوتِ من التعبِ واللذة. ما يتذكرهُ الأمواتُ والأحياءِ لا يستوعبُ النظرةَ التي تلتهمُ السكوت ، وتبدأُ اجتياحَ القُبّل وتحولاتِ الجسد الذي يمطرُ بُركاناً وجوعا. على الألبابِ ألا يتركوا مقعداً خاليا للتفرجِ وانبعاثِ الحنين الذي تساقطَ من السماءِ ليكونَ لُغزاً إليها وجِرسا.

ما يحدثُ للغرقى من الماءِ الذي يملأُ البطون، كما تفعلُ القُبلاتُ بالحنين ، لا يكادُ الغرقى يعرفونَ أماكنهم على الخريطة كما يفعلُ الأحياءَ ذويّ الحنين. أولئكَ الذي خسروا الحياة وربحوا أحضانَ الشتاءِ كانوا على الوجعِ أثقلُ من خطواتهم التي لا تؤدي لشيء سوى مضاجعهم الباردة !

يلبثُ الهاربونَ من الأمسِ في السفرِ من مكانٍ إلى مكان. دونَ أن يتركوا أوطانهم على حالها، أو حالهم على صعيدٍ زلِق. يستنجدُ المتظاهرونَ على السفرِ بالإنحياز إلى الجنونِ والحسرة، ليسَ لأنهم لا يعرفونَ لذةَ الذوبانِ الأول، أو يجهلونَ حقيقةَ الإحتماءِ السريع الذي تُخلفه الأيدي على الأحبة قبلَ أن يبعثَ الإنشطارَ في فِناءِ التفرقة لكنهم لا يدركونَ بأن نواةً واحدة تخلفُ بعد كل انشطارٍ دمار، هكذا هو الحنينُ عندما ينشطرُ أصحابُ الجوى.

تبقى نارُ اللقاءِ مُضرمةً إلى الأبد، وفي الهواءِ تمثالٌ لا يُرى ولا يهلك لمشهدِ الجسدِ الذي يجمعنا للبقاءِ على مقدمةِ التشابهِ والكمال ، ومن ذاكرةِ الجسدِ الذي لا يفقدُ نفسه يبقى مُعلقاً بألمِ الولادةِ وشهوةِ الرقصةِ الأولى والإشتهاءُ الأول ، كثلجٍ ينسابُ على صدرِ راقصةٍ تُجيدُ التمايلَ كالورودِ القائمة. ولأن الخروج من رحمِ التنهيدةِ الأولى كانَ أصعب من التهلكة لا فرارَ من الإلتقاءِ على قارعةِ الطريق وإيقاظ الحجر، كانَ حُلما واضحا أن نذوبَ في نهرٍ بارد فيصبحُ مهداً للتجردِ من الخطيئة، ساحةً للهربِ من الشتاءاتِ الغليظة، ملجأً للعبورِ نحو المّحاق أو بابا أمام المتلاصقينَ على الفراشِ للتثاؤب ! 


٢٦ أغسطس ٢٠١٣
جدة 

الجمعة، 23 أغسطس 2013

صداعٌ أول

خطوةٌ إلى الصداعِ تعودُ بالشوقِ إلى مكتنِ التعب. يتسللُّ في الصباحِ إلى حزانتهِ يبحثُ خلفَ الرفوفِ عن قميصٍ يواري عورته. كلّما كانَ الفضاءُ أزكى بالعبير كلما كان البحثُ أطول. يعلمُّ أنها لن تراه ويبحث!، يعلمُ أن آخرَ عطرٍ تجاوزها كانَ من خزانةِ أبيه. شيئانِ يجتمعانِ دوماً الحُبُّ والجوع. وآخرانِ بلا وِفاق : حبٌ و قُدرة. صُرّتُهُ المُلقاةُ على الطاولة، ينظرُ لها ويبصر ذاتهُ فيها دونَ أن يذكر كيفَ كان يفتحُها كل صيف ليبحثَ عن هداياهُ الصغيرة. 

لا زالَ في الأرضِ مُتسعٌ ليكتبَ الرسائل، كرسائلَ لن تصلْ أبدا :
من غُرفةِ التوقيفِ ألهث، ولكنني قادمٌ بعد هذا سنأخذُ ماءنا الدافئ، ثمَّ نصنعُ بيضتان أو لن نفعل ! .. فأنا على قدرِ الجوعِ اشتاقُ لنهدينِ من عاج يملكونَ صدري ويخجلونَ من القُربِ مني. كما كُنتُ أحلم كما لا زلتُ أرجو لأن تبقى خطيئتنا في الأعالي. واحتاجُ قدميكِ لأرفعَ خطوتي عن التآكل، مخاضاً يجمعهُ التائهونَ إلى التباهي والانقضاض. ولو أحلمُ إن كُنا مسافرينَ معاً على متنِ أقدامنا حينها ينكشفُ إلى العراءِ جسدٌ واحدٌ كل ليلة، هذا هو نحن. هذا هو أنتِ قبلَ أنا. لايزالُ المأمورونَ بالتحيةِ والكلامِ يُرددونَ أسرارَ شقتي كاملة، ولا يعرفونَ شيئا عن سُعالنا الأبدي على الملاءة. هذا الوِرثُ الذي نتركهُ للثعالب، لم يكن يوماً لينضبْ. هكذا تنمو سرائرُنا دونَ أن نشعر. نحنُ موقوفونَ على بابِ الأحبةِ والحياة،لا نكادِ نعبرُ حتى نكون على وشكِ الامتزاج، كطائرتينَ من الرصاص، كمسمارين على مدخلِ حانة. يواجهونَ الإشتهاءَ والسكرة. وحانَ أن يخرجَ قلبُنا الأعزلُ من وراءِ الحُجب. نُحبُّ نظرتنا كثيراً ، لكننا نحلمُ بالعمى ونكونُ محتاجين إلى اليدينَ كُلما أردنا التأكُد من وجودِنا جنباً إلى جنب. هذا الإلتماسُ يودي إلى التهلكة، يحدثُ أن نكونَ مُغرضينَ في اليأس، ولا بأسَ أن نيّأس ، لذوبَ في بعض الثلجِ والحسرة. فلم يّعُدْ بعدُّ لنا أملا في التشفي ولا الإستقامةْ. زمنُ أجدادِنا ولّى ونحنُ الآنَ شيءٌ من التُفاحِ ينتظِرُ المغفرة. لم نأكل كما أُمرنا، ولكننّا شبعنا الإنهزامَ للجوع. الآن يبدو على وجهِنا السُخطُ لأننا رفضنا البحرَ أو السباحة، وأردنّا أن نزرعَ من الجبالِ وروداً وأماكنَ للصلاة.

كعمرٍ يستعدُ للتحاورّ مع الأمكنة والطقوس، كانَ حزامُنا صبراً للنبوءة، واستئناساً بالتعب. تمتدُّ المسافة وتشعرُ أقدامنا بأنها تغرق. ويبقى من الأثرِ ما يخذلُنا. لهذا الوحل أن يذكر حجم أقدامنا وقلوبنا لا تدري!


المدينة
١١ أغسطس ٢٠١٣

الأحد، 18 أغسطس 2013

رعشة

أولُ رعشةٍ في ثياب الليل، هكذا يقترب من يدها دون أن يلمسها، يبدأ في استعراض أحلامه وينظرُ لها دون ترمش عيناه مخافةَ أن تزيح الصورة أوهامهُ يعود بذاكرته نحو الماضي يفتشُ بالذكريات ويترقب الحاضر كي يستغيث نفسه للتجلي. يُرردُ الحاضرُ في داخله ما تعجزُ عنه الكلمات: " من غابَ سيعودُ لنظرة، يُلقيها ثم يعبث من جديد" ..
ويبدأُ الحاضر بالسؤال يُقلبُ كفيهِ ثم يقول: من عاد هذه المرة؟ ، أنا لستُ شيئا من الماضي ، لستُ عبداً للتجربة!.



 يتوقف القلبُ عن المشاهدة ويبدأ بالصلاةِ ، لا شيء يحتضرُ الآن سواك أيها الحُر ، حتى الماضي لم يفعل ، وحدك تلبس أعباء الزمن، وحدك تمشي بلا قدمٍ نحو العطاء، نحو البحر والغرق، ولم تأبه كيف ستسبحُ في الذاكرة أو كيف تنجو من الوحدة. ومتى ينحلُ عنك سوادُ الأخيلة.
يفتحُ العقل بابا للهروب ، هكذا يتسع الأمل في عيون الشباب، أيها القلب افتح كتابا للذهاب، اورع مكانا للوقوف على الأضرحة، سترى الماغوط يكتب عن أثرا يشبهك، سترى غريبا في صورتك يسكنُ زنزانةً في الجزائر، سترى المارة في بغداد يوارون أحزانهم في تراب السياب، سترى كوباً من الشاي يرثي أملا* في غرفتهِ البيضاء ويصارع السرطان حتى الآن يموت السرطان في جسده ويبقى شعره يحكي عن قصةِ المستقبل، سترى رجلا يغادرُ الجزيرة يُخرجه الصمتُ من أحشائها، ويرتمي على صخرةٍ في الشام لم تصمد لتكون قبراً له، سترى أشياءَ تُنقحُ المذنبينَ من الخطايا.



لطالما اخبرتك أيها الحيُّ لستَ وحدك وهناك جمعٌ من الموتى ينتظرون ثوبك ليسقط وتنكشف للعراء ، ثم يحتضنوك، لا يُهمك الآن الحضور أو الغياب ، ولا البقاء ولا الذهاب، فلماذا لا تترك يدك تضمُّها حتى ترحل وتسمي نزوتكَ ماضيا جميلا! .


١ أُغسطس ٢٠١٣
جدة

الثلاثاء، 23 يوليو 2013

زلازل

وينطوي الوقتُ على رسائلِ البريد، قبل أن تنهض الأشياءُ كي تجزَّ الظمأ، كانَ الفراقُ قدراً يُطوقُ أسرار الطفولة، وغياهب الماضي، لا أزالُ أتذكر البراءةِ التي تقاسمتها في قريةِ "مضايا" الصغيرة في محافظة ريفِ دمشق، في كُلِّ صيفٍ من أعوامِ الطفولة مع الأصدقاء هُناك.

في منزلٍ صغير بداخلِ مزرعةٍ للزيتونِ والعنب، بقيَّ لنا هُناكَ أشلاءَ ابتسامة، أنا وسامح ومُراد وريما ودُنيا الأخوات ، لمْ نعد نعرفُ أشكال النجوم ولا ضوء القمر فاللعبُ هناكَ يبتدأ مذُّ بزوغ الفجل بين أطرافِ النحلِ وبقايا الفراشات. لمْ نكن نعلمُ بما يحدث خارجَ هذا المُحيط ، سوى أن نجري لشراءِ "البوظة" كلَّ يومٍ مره!. هكذا كانت تنقضي ساعتُ هذا النهار، لا شيءَ يُعكرُ صفونا سوى النحلُ الذي يتربصُ بنا عند النزولِ إلى حمامِ السباحة. كان سامح أطولُ قامةً مني ومن مُراد أسودُ الشعر، عيناهُ جاحظة وكان مُرادٌ نحيل القامة ، خشن الصوت رغمَ طفولته، أما ريما فكانت أجملُ "الصبايا" لا تتحدث كثيرا إلا عندما يسألُها البائع أيُّ نوعٍ من المُثلجاتِ تُريد، كانت دُنيا تصغرنا سناً ولكنها أكثرُنا قدرةً على التعاطي مع البائع ومع الفلاحين في المزرعة، كانت تتحدث ونستمع لسحرِ حديثها وقصصها رغم الصغر، كانت تتحدث عن صديقاتها في المدرسة وعن جارتهم المجنونة، وكيف أصبحت ماهرة في التعاملِ معها، وهي الوحيدة القادرة على اقناعها بالعودة عندما تخرج هاربةً من المنزل. كُلُّ ما في دُنيا يدعو إلى التأملِ ومحاكاةِ التجربة. وبعدَ انتهاءِ الصيف كل عام ، أحملُ ذكرياتي الجميلة لعامٍ دراسي جديد ونتبادلُ الرسائل ، اكتبُ الرسالة واحتفظُ بها إلى أن تشاءَ الظروف لي أن أصل إلى مركز البريد وأُرسلها لبريدِ أمِّ سامح وانتظرُ مرور الشهر حتى تصلني رسائلُهم بالرد.

بعدَ انتهاءِ صيف ٢٠٠٥ وعن عودتي للمدينة أرسلَّ سامح يقول : "حدثَّ زلزال وأدى لسقوطِ منزلِ ريما ودنيا، ريما وأمها يعيشون الآن في منزلنا، ودُنيا صديقتنا الحكيمة راحت الجنة " .. ومُنذُّ ذلكَ الحين أبحثُ عن براءةٍ وحكمة !

الأحد، 14 يوليو 2013

الخليج وسيّلُ الموازنة ..


تبدأُ سلسةُ التكوين المجتمعي من صميم العُرفِ المتوارث مزودةً بتقاليد ورغباتٍ تطلعية للتوجه الوطني الموحد في سياقٍ مُوجه ، تمر ذاكرةً الشعوب لتعرج على قارعةِ الطريق، ولاينفك جمهور الجمعِ يسأل عن بوادرَ الغنيمة التي تلوحُ بالأفق على كافة الأصعدة. 
يبقى من اللحظاتِ ما يصبُّ في خارطةِ الطريق واحتمالات المتابعة. 

ولعلَّ ما يُحيطنا اليومَ من فضاءٍ جديد تطغى عليهِ أسرارنا المُثلى وطرائقنا المختلفة وإن نابها ضربٌ من التشويهِ والإقتراف مما يؤخرُ كونها صورةً واضحة تُشيحُ عن وجهِ تركيبتنا المغايرة. 
ولنا أن نعي التباعد المفروض بين ساحة الصوت والصورة إذ أن منهجيةَ الإعلانِ عن مشهد العموم تنأى بما تُمليّهِ الظروف والأحداث، وبالرغمِ من اعترافنا ضمنياً بأن منهجية رأس المال تطغى اليوم على سلوكيات الحياة ومنابعِ الرأي وبؤرةِ الأحداث فهذا يضعنا في مكان الحدث مكممين الأفواه والأيدي، ففي أغلبِ الأحيان لا يتسعُ الفضاء لقولِ الكلمات أو لإحداث الفروقات في فضاءِ مُجتمعٍ ما إلا بوجودِ المفاتيح المؤدية لذلك ومن أهم هذه المفاتيح على الأقل في دولِ الخليج هي رؤوس المال، فلذلك نرى أخطاءً عدة في سلوكيات التعبير والمجاز. 
ولا ينتهي هذا التأثير عند حدٍ مُعين بل يطالُ كل منتجاتِ الأيدي ومُخرجات العقول ومباحث الفكر وهذا بيّنٌ في أرجاءِ عالمِ اليوم. إن ما نشتكي منهُ منذُ عقود عن تردي الإنتاج الفني والثقافي والإعلامي ومختلفِ الأُطروحات هو من جراءِ اغفالنا للنظام الرأسمالي المُتداخل في تكويننا المُجتمعي ، ويبقى الجواب البديهي لهذا التعجب في الإنحدار هو انعدام الفرص أو احتكارها من قبلِ فئةٍ ما نجحت في صنع رأسِ المال أو التجارة ودخلت في مجالات الإنتاج البشري المتعددة بسلطة المال ولأنها لا تملك من مقومات هذا العمل شيئاً فمن المؤكد اهتمامها البحت في الجانب المادي دون النظر إلى الجانب التقني أو الفني في العمل ويبدو هذا جليا خاصةً في مجالِ الفنونِ والثقافةِ والإعلام.
سيكونُ من غير المُنصف أن ندعو إلى محو هذه العلاقة الرأسمالية بالإنتاج الإنساني لأن لها سيادة في جميع الميادين وفي مُختلفِ الأرجاء ولكن تبقى لنا أن نفهم هذه التركيبة ونعترف اعترافاً صادقا بتأثيرها الشديد على المنتج الانساني في مُختلفِ الميادين. ومن غير المُنصف أيضاً أن نرمي باللائمة على أجيالنا الحاضر ونُحملها مسؤولية التراجع في الإنتاج وهي بكل تأكيد لم تكن أقل كفاءة مما مضى أو هو قادم، ولكن الخيار المادي أو المالي كان اللاعب الرئيس في تشكيل الصورة ، فلو استطعنا أن نوائمَ بين نظامنا الرأسمالي الغير مُباشر وبين الكفاءات الحقيقة لاستطعنا الحصولَ على المكسبينِ معا ماديا ومعنويا.

يقول جان بول سارتر : بالأحجار قد تبني للحريةِ معبداً وبالأحجارِ ذاتها قد تبني لها مقبرة ! ، وقياساً على ذلك بالأموالِ قد نأتي بمنتجٍ بهيج وبالأموال قد نخلط الحسابات ونُسقط السقيفة على فنوننا وعلمنا واعلامنا وثقافتنا ونجعل من مجتمعاتنا مجتمعاتٍ أُحادية المغزى والطموح.


جدة

السبت، 6 يوليو 2013

وقت ..

يسريّ بيّ الوقتُ
فأنطفئُ على عجليّ
ويمتدُ وجعُ الأماكنِ بي
أنطفئُ على عتبيّ
وتستبدُ أحرفُ المارقينَ بيّ
فيعتليّ الوجعُ قامتي
وأبحرُ في فَلكٍ مبهمٍ
يلتفُ على عتمةِ الليلِ في أولهِ
أرى وطناً منْ سرابْ
يغرقُ بيّ .. 
لأغرقَ بهْ ..
فيستوي الحبرُ بيننا جبلاً
ينامُ على شعثي وجيدي ..
أيّها الساكنونَ في دميّ
إنيّ أرى الفُلكَ تجري لمُنتهاها
وأرىٰ الأقمارَ قدْ أخرجتْ  للنوِ أحشاءها
وأنْ السماءَ تلدُ جعبتها الأخيرة !


المدينة النبوية
٢٢ مارس ٢٠١٣

الخميس، 4 يوليو 2013

طائرة ..

يبدو الآن صوتي كطائرةٍ سقطت على محيطٍ واسعٍ ، لا أحدَ يسمعها هناك سوى أسرابِ الطيور وأسودُ الغابِ الذين تقاسموا الدهشة واستوقدوا الصمت. في أيِّ يومٍ تُشرقُ فيهِ الشمسُ أتجاوزُ الإشراقَ وأشتكي سُكنةَ الغربِ المليء بالذكريات ، والكلمات التي حفت شواربَها من السخطِ المبين ..
أفكرُ بالسفر إلى الشرق أو إلى أقصى غروبٍ قد يُذكرني بأن أتلاشى من الشوق وأعلو فوقَ سقيفةِ الذكرى ، فلُّظلِلُني السراب الذي انتزع أرضنا من العِمامة! .
يُدافعُ الإخفاقُ عن نفسهِ كلما رآني اقترب، ما أُحدثهُ عند اقترابي من مُحيطِ بزوغها يُشبه الإصغاءَ إلى حديثٍ مُبهمٍ في فضاءِ الجنون. أعلمُ أنني لن أصل إلى شيء يُغذي رغبةَ الهلاكِ التي تتراءى على كتفاي كلما اقتربتُ من الشباكِ وانبعثتُ إلى الأسى. سُورُها الأسودُ الذي تركتهُ على إيقاعِ ذاكرتي يكادُ ينفضُ من استدراجي لهُ وهو الذي حمى أيديهُ من العبثِ في أملي، هكذا كان وأعرفُ أنهُ أسدى إلى عمري معروفاً للسنين الماضية ، غدوتُ كالطفل الشقي الذي صارَ رجلاً شقياً يرفضُ الإقرارَ بأنّ حمايةَ أمهِ التي أزعجتهُ عند الصغر قد جنَّبتهُ الحوادثَ والأسى. ومن حِبرهِ الأسودُ بقايا لا تُقرُّ بأن لهُ ثأراً في الحكاية.

شعورٌ يفوقُ المناجاةَ يدورُ في خلدي وانتهي إلى كلامٍ لا أعرفُ فحواهُ أو ما يردُ في ذهنِ قائلهِ من حكايات لا تمتُّ إلى الحقيقة ولا تستريحُ إلى الخيال، وهل جِئتُ إلى أزلٍ يُعري ساحتي من سِواها ؟ ، ولكنيّ مُقيمٌ على أسئلةٍ تنوءُ بي إلى لا شيء! ، الوقتُ لن ينفذ في غضونِ الخيال ، ولكنهُ قد قُضيَّ في أمرِ الحقيقة ، ولن أُدركَ ذلك! 



جدة 
٤ آيار ٢٠١٣

الثلاثاء، 25 يونيو 2013

أعوام

(عامٌ أولْ)
نامتْ عيونُ النبيّ عن وجعِ السنينْ
وانقضتْ أفراحُنا الأولىٰ
تتهادىٰ إلىٰ ماءِ الخطيئةِ 
والتُفاحَ والغرقىٰ ..


(عامٌ ثان)
الشوارعُ تتقيّأُ الشكوىٰ
الاحمرارِ يدنو من وجنةِ الليلِ البهيّم
للشعرِ خطوةٌ أولىٰ
ونشوةٌ أولى ..
وسقوطٌ أخيرْ

(عامٌ ثالث)
يُوشكُ النخلُ أن يفتحَ النارَ على جسدِ الطفولة
ويوشكُ الماءَ أن ينطفئَ
بينَ الدموعِ والاحتلامْ ..
يا أبانا الذي أدارَ مهجةَ الأعرافِ
كي يستويّ لنا قلبُ الشهودِ والنجوىٰ
متى ينفرجُ البحرُ على 
ساحلٍ بريِّ 
منِ الأشلاءِ والرؤىٰ

(عامٌ رابع)
كادَ الفجرُ أنْ يُطيلَ أعراسَ الندىٰ
فينشرحُ الأقحوانُ
وتسريّ مُهجةُ الطاغوتْ
فإلى متى ..
يبتلُّ منّا سُهادُ البحرِ
ويغرفُ الحُزنُ منا
خطوتهُ الوحيدةْ

٢٢ مارس ٢٠١٣

الأحد، 9 يونيو 2013

راكبٌ أخير


(شهودٌ أول)
لم أجد للنارِ معنى
إلا ملامحَ الشيطانْ
لم أسمع هُتاف الأخيرِ
إلا في أولِ المنفى
يا إخوةَ الشيطان
إني مُعلقٌ بحبلِ الصباح
ودمعتي للموتِ مخفية
لأنني لم أبكها حية ! 


(دمعةٌ أولى)
يحُبُ هذا الصُباحُ وجهي
يبدو كقارعةِ الطريق
لا يحتاجُ الإزفلتُ الأبيضُ أن يُضيءَ إيقاعي
أُحبُ أولَ الإشياءِ دائما
عندما ينكمشُ الخيالْ
وتذوبُ الطريقة

(شهودٌ أخير)
لنْ تُغيّر الأسماءَ قدري
ذئابٌ شاحبة
كلُ ما أحتاجهُ الآنَ لأُكمل المعنى
سيفٌ واحدٌ سيقيني العناءْ
صوتُ البُكاءْ
أو رقصةُ التابوتِ
في فلكٍ أخير
سأصيرُ طائراً حتما .. وأطيّر

(قيامٌ وحيدْ)
لم أنتشل ثوباً للبُكاءْ
ربما كانَ لي قدرٌ
أن أُجيبَ النداءْ
لمْ أستبحْ مناديلَ الحكاية
لأن السماءَ نهايةٌ أزليةْ
للغناءِ تنكسرُ القلوب
وتبقى المآذنُ حيّة


جدة 
٢٠ آيار ٢٠١٣


الأحد، 26 مايو 2013

متلازمة !

لايبدو أن العالم الحديث سيصل إلى ذروتهِ المُثلى إلا عندما يتحررُ مرتادوه من وهم الشعارات. تلك التي بدأت تملأُ كل أروقةِ الهواء وما خلف الهواء ، تلك التي تحملُ الأصوات والقلوب والعقول على أن تبقى في غيرها لأمدٍ بعيد وبهذا أصبحت قنينةُ الأفكار لا تُنذرُ بسُكرٍ جديد ، ولا بقمرٍ وليد ولا بعروةٍ وُثقى تُكشرُ عن أنيابها.



يبحثُ الناسُ عن شعاراتٍ تُعبر عن ما شجوه في قلوبهم وأفئدتهم ولكنهم حين يقدمون على ذلك لم يتيقنوا إلى أنهم يصنعون قضبان سجونهم بهذا الإنقياد. كل الشعارات لم تحضر إلا لتجعل الحياة أفضل هكذا يُفكرُ النازحون إلا جوانب الكلمات ليلقوا عجزهم في الإنجاز على عاتق الكلمات التي تحملُ نفسها متنقلة من لسانٍ إلى لسان ، تنتظرُ من أحدهم أن يُحولها إلا سلوكياتٍ حقيقةٍ على أرضِ واقعه الكبير ، ولكن سُرعان ما تبدأ تلك الشعارات بالإختفاء بمجرد وجودها، إذاً هي الحيلةُ التي طالما استخدمها الإنسان ليلتف حول نفسه ويصل إلا مُناه غير مكترثا بما ستُخلفهُ إلتفافاتهِ من وهمٍ كبير ، فبهذه الطريقة ينجو من كل عناء ، حتى من ذاك الضمير الذي لايسكت ولا يغيب إلا عندما نغتاله! ..
أصحابُ تلك الشعارات لا يأبهون بما تحتويه من معنى بقدرِ ما هم مهتمونَ بأن تقع وأن تجري حيةً بينهم ، ولربما من سوء حظنا أننا احترفنا إنتاج هذه القوالب الجاهزة التي يتساوى ما بداخلها قدراً ولا قدّراً ، إنها الملاذُ الأول للجروحِ الدائمة التي يشعرها السائرون على قارعةِ الطريق. ربما لا زلنا في محلِ استهداف لثُلةٍ ممن يحاولون أن يُخرجوا الناس من نمطيتهم وهذا عملٌ يُشكرون عليه بالفعل ولكن لا يدركُ هؤلاء كم من الشعارات يخلقون ليداووا جواحنا وربما ليحدثوا جروحاً أخرى أو موتاً حقيقاً في عقولنا الصغيرة الاي لا تزالُ عرضةً للشعارات ومقصلةً لمآتِم العادة والنمط.


 شعاراتٌ في كلِ مكان ، شعاراتٌ في كل وقت ، شعاراتٌ تخرج لتقتل شعارات، وشعارات تبقى لتحمي شعارات أخرى ، وأين نحنُ من ذلك ! 

جدة 
٢٥ مايو ٢٠١٣

الأربعاء، 15 مايو 2013

النارُ أشرفُ من حريق

لم تزلْ عيُّوننا في المكانْ ..
لا جسدٌ يقومُ بلا عينينْ
ولا روحٌ تضيءُ بلا بصرْ ..
إنّا هُناكَ ولسْنا "هُنا" !

غيّروا اسمَّ هذهِ الأرض ..
ربما لنَعودَ نحنّ
لنعودَ للمَدىٰ
وللأمنياتِ الصغيرةْ .. 
سأظلُّ ألفَ عامٍ إن لمْ تُغيروهُ
لأسألَ مَنْ "أنا"؟

لا تحلموا بكوكبٍ جديدْ
فالطريقُ إلى الماءِ وحيدْ
أن تُغيروهُ ..
أن تُعيروهُ أعيُّنكمْ
لكي يرى .. 
فالمكانُ مساحةٌ للثبورِ
والضيقُ وحيٌّ للهدىٰ


لا تلومُوا المهاجرْ
فالمدائنُ لا تدوّمْ ..
السيفُ واقفٌ في الطريقْ
والمكانُ أبيض ..
هل تروّنَ الآن ما يرى
"النارُ أشرفُ مِنّ حريقْ"


١٥ مايو
جدة 

الخميس، 25 أبريل 2013

كلماتٌ على عجل



لو أن لكَ في الصمتِ سبحاً قصيراً لأدركتَ أن الحديثَ يلدُ ليذوب في أصداءِ الخيال .. هكذا جرت العادة وهكذا تنضبُ الشوارعِ من جلجلة الوقوف! ، فمتى يدرُكُ الناس أو لعليّ أُدركُ " أنا" أني لستُ أنا عندما أتحدث ، عندما أحنو ظهري لألتقط الكلمات وأنسى أنَ ليَّ في السكونِ مأوى لا تدخلهُ يدُ الغرباء ، مجلسٌ لا تدخُلهُ الخطيئة وينمو بهِ الزعفرانُ الذي يحتسيكَ قبل أن تُوشكَ على النهوضِ للسؤال .


قالَ ببعضُ الذينَ صمتوا طويلا : لاشيء يستحقُ الكلامَ بعد ! .. قالوا نعم قالوا ذلك بصمت قبل أن تنفجرَ أنفسهم من الظمأ وقبل أن تُهديهم حروفُ الملامِ عفتها ، لماذا كلُ هذا الصمت؟ .. الصمتُ أسوأُ من كل شيء سوى الكلمات التي تأتي على عجل وتذهب في عقود !



جدة
٢٥ أبريل ٢٠١٣

الأحد، 21 أبريل 2013

باب

الحُلمُ بابٌ أبيضٌ
تدخُلهُ الريحُ ، لا تدخلهُ الخطيئةْ
يخرجُ من خطوتهِ
لتسكنهُ التجربةْ ..
كلّما سقطَ المِفتاحُ في يدهِ
تغيّرَتْ قدماه ..
هوىٰ إلى الصمتِ
وابتدأ النصيحةْ ..
قال الذيّ عقرتْ جماحَهُ الكلماتْ :
السَهمُ مُعلقٌ على مذبحِ اللاهوتِ
والأشياءُ ضامرةٌ
خلفَ سهامِ القريحةْ
لا يُغضبُ الشُعراءَ مثلَ حيلتهمْ
لا تسكنُ العذراءَ بيتاً
يُظلِّلهُ السلامْ
الطُهرُ وجهٌ آخرٌ للذنبْ
الذنبُ أن تموتَ الخطيئة ..
شيءٌ منِ الماءِ يسري بأقدامِ الزمانْ
يُسورُ أحلامَها ..
يُهيجُ الشطآنَ فيها ..
النهرُ غائبٌ عنْ مشهدِ الموتْ
يصُبُ في أحشائهِ الصمت
الطفلُ يجريّ لمُنتهاه
لا تنتهي الأعرافُ قاطبةً
العُرفُ يجري لمستقرٍ بعيدْ
للعُرفِ أسماءٌ لا تُذكرُها الطبيعة
للطبيعةِ أذكارٌ لا تحسِنها المآتمْ
للسيفِ حدٌ أسودٌ
للسوادِ حدٌ غامضٌ
للنورِ غموضٌ باهتٌ
للسر معنى ..
للمعاني أساطيرٌ بليدةْ


الظهران
٢٢ فبراير ٢٠١٣



الأربعاء، 20 مارس 2013

حيّاد

كما جرت الفطرة فإن الأشياءَ بفطرتها تلتصقُ بالمنتصف مهما ارتمت أطرافها على جنبات الإنحياز ، ولكن يبقى السؤال إلى متىٰ ؟

ينفتحُ الصراعُ على مصراعيهِ لتبقى أفئدتُنا معلقةٌ على الصراط الفطري ولتبقى عُقولنا على شعثِ الاحتمال والبقاء ولكن سرعانَ ما يُداهمنا هذا الفضاءُ ويمتحن خطوتنا نحو الاستقامة فيأخُذنا إلى حلبات النضالِ المُر أو إلى غياهب الحذرِ والضلال يأخدُ منّا كل شيء لا يترُكُ لنا أي شيء حتى ذلك الصمت الذي وُلد قبل أن يحيّن وجودنا فنبقى مُعلقينَ على جسرِ الرياحِ نؤنسُ العربات التي تفرُ في كلا الاتجاهين! . تبدأُ أقدامنا بالمراوحة فترتفعُ أصواتنا ويزدادُ حجمَ الاستبداد الذي تتلقاهُ حناجرنا الضئيلة ، فتأتي قُلوبنا محملةً بالشكوىٰ لتُنقذَ ما تبقى من أنينِ الحناجر فتتلطخُ أفئدتنا بدماءِ العِداءِ والإنحياز ، فإما أن تُصبحَ هشيماً تذروه الرياح فيستفردُ بنا الاستسلام وإما أن تحول هذهِ الدماءُ قلوبنا إلى ساحاتٍ من الضغينةِ تُغطي جوهر العقلِ وفلذات التأمل !

ويبقىٰ السُؤال كم منْ الموتِ والبعثِ يلزمُنا لكي نتصور أنفسنا طيوراً لا يُعكرُ تحليقها وهجُ الرياحِ الضال ، فتسموّ بجناحينِ منْ صمتٍ وعمل !


جدة
٢٠ مارس ٢٠١٣

الاثنين، 18 مارس 2013

تناصّ ..

حينَّ تصيرينَ جرحاً متوهجاً
يضيءُ مآربَ الرؤياً
وحينَ تمضينَ على الرملِ
تتفتحُ ألوانُ الملوحةْ
فيمتدُ البحرُ حتىٰ يرتوي عطشَ الجزيرةْ

يدخُلُ النارُ في أعماقِهِ
تذوبُ مساربُ الأملِ
فتسريحُ الشوارعُ فوقَ الطريقِ القديمِ
على قارعةِ الخصوبةْ
وينتابُها عتمٌ ليليُّ فتُخرج
منْ سنامِ البحرِ شهوتها الأخيرةْ

الرؤىٰ والمدائنُ
صوتٌ غامضٌ للتيهْ
والرُقىٰ تمتماتُ غزلٍ عذريِّ
تقيّحَ لللطفولةْ
ها هُنا انتحبتْ قُوامُ الوجدِ عندَ ناصيةِ المجونْ
فأناخها قمرٌ سماويّ
لونهُ طقسٌ جامحٌ .. وظهيرةْ


جدة
٢٨ فبراير ٢٠١٣

نصْفين ..

جاء الموجُ يقسمُ وجهَ البحرِ نصفينْ
نصفٌ تأولَّ بالتقاطِ التيهِ من علقِ الخريطةْ
ونصفٌ آخرٌ
مدغمٌ بالاحتمالِ وجنونِ العذارىٰ !
وقفتْ قِلاعُ المارقينَ على البحورِ
تعصرُ أطفالَ الديانةِ الحمراءْ
والتحفَ النهرُ بأعراضِ الخبيئةْ
هذا وجومُ العُراةِ يأكلُ قامةَ التيهِ
وينفردُ بآياتِ النبوءةْ
منْ قالَ أن النورَ رجسٌ
وأنّ أحشاءِ النهرِ عُرضةٌ للصمتِ والاحتمالْ !


المدينة النبوية
١ مارس ٢٠١٣

لسيّدة

لسيدةِ الحنينْ ، وللقهوةِ المرّةِ
لتمائمِ الفرحِ في عينِ المآذنْ
للجوعِ والمعنىٰ
للأُمنياتِ والمُدنِ الرفيقة
وهبَّ الصباحُ يدهُ
لقافلةِ السكينةْ
لمْ يأتِهِ الأبنوسُ مفتعلُ
ولكنْ جاءتهُ أقنعةُ الحقيقةْ
جاءتُهُ موسيقىٰ
تذوبُ في الأغصانِ جاءتْ
من علّقِ الزمانِ جاءتْ
ومنْ أروقةِ الخليقةْ
أدخلهُ الدجىٰ
كلَ حُلمٍ شاهقٍ
فتقطرتْ أحشاؤهُ ضيقا
فلا ليلٌ أهمّ بهِ
ولا صُبحٌ تمطىٰ صُلبهُ
أو بلّ ريقه !

جدة
٤ مارس ٢٠١٣

تمّتمات

(عامٌ أولْ)
الشوارعُ تلفظُ أنفاسها الأولىٰ
الصوتُ يحرقُ الصورةْ
الزنادُ مصلوبٌ على رأسِ الغناءِ والشكوىٰ
يلفظُ العاشقُ تنهيدةَ اللقاءِ
فيُباغتهُ الموتُ والوجعُ الأخيرْ


(عامٌ آخر)
دمشقُ تنّزعُ مُصلاً آخرْ
الأعرافُ تبتلعُ الجزيرةْ
جاءتْ صلواتُ رُكْعِ التلِّ علىٰ آخرِ النورِ
فوقَ عِمامةِ التاجرِ النخليّ
الذي وأدَ الخصوبةْ

(عامٌ أخيرْ)
الحجرُ يسقطُ منْ مرتقاهُ
الصيفُ يشتدُ على نهرِ الخبيئةِ الزرقاءْ
الشجرُ يداعبُ جذّعهُ الريميّ
ويجريّ لمنتهاه.



جدة
١٨ مارس ٢٠١٣

الأربعاء، 6 مارس 2013

لا شيءَ يسقُطُ مرتينْ

متى يسقطُ التكلّفُ في جعبةِ الكلمات ، ويندثرُ الغموضُ في سطورِ الابتسامة!


ابتسمُ كلما مرّ الرحيقُ الدافئُ في وصالِ الأزمنةْ ، ابتسمْ ، ثم أكتبُ الكلماتَ مبهمة وألوثُ مرآةَ الحقيقة أو أكاد!


ما ضرنيّ بو كتبتُ ابتسامةَ الذكرىٰ في يميني القريب ، وقلتُ ليّ وقلتُ لها أنني أُحبُ أن أمرَّ بشارعِ الوقتِ كي تلمحُني أصابعُها القديرة '


ماضرمي لو قبلتُ يدَّ الصورةِ التي رسمتْ مُشكاةَ بحريّ على شُطآنها الدافئة ، وامتشقتْ حروفَ الجوعِ من فمي !


إني أُباعدُ بين الرؤىٰ لأحلُمَ بالإنكسارِ بينَ اشتهاءاتِ الطبيعة ، وأقول للمدىٰ أنني اشتقتُ إلى أن ينكسر الماءُ في إنائِنا المتثلمْ !


الكبرياءُ والجوعُ ولغةُ الشاهقينَ أشياءٌ ابتدعها الخيالُ لتنبيّ جدرانَ الخضوعِ إلى الذكريات ، دونَ أن نمسَ رياحُ الشقيقةِ والصداع الأزليّ


برلين

٦ مارس ٢٠١٣

الثلاثاء، 26 فبراير 2013

دُعاء

مُناجاةٌ قد لا تفيّ بغرض الدُعاة ، إلى منْ بيدهِ ملكوتُ كل شيء ، إلى منْ بيدهِ شمسنا المُشرقة سفانة ، اللهم إننا بين يديك فارفع عنها إنك على كل شيءٍ قدير.


قلبيّ معكْ
يا منْ طرقتَ ببابهِ إذ وَدعكْ
ألفيتُ أُمنيتي
فاستحكمَ الصبرُ معركتيّ
ودعوتُ قُربَ القبرِ
طوبىٰ لحربِكَ إذ دنىٰ
فتوسدكْ


البحرُ خارطتي الأخيرةْ
والموجُ ميداني الأخيرْ
إن وَدّعكْ
وبكاكَ دهراً قائماً
ناستودعكْ ..
زهرةً منْ وردِ عينيّ
نامتْ علىٰ البحرينِ
فاشتاقها فزعُ الخليلِ إلى الرؤىٰ
وانتابَها بللُ العشيقِ من الهوىٰ
نستشفعكْ ..
يا منْ رجونا ببابهْ
شمساً تهاوتْ
وبدراً هلكْ

أبطيتُ في المعنىٰ معكْ
وهجرتُ قافيتيّ
ورميتُ أُختاً في اليمامِ دَعكْ
وتركتُ صبري ذائباً
كيّ يتبعكْ
إنّا وهبنا للصلاةِ رداءها
فالعُريُّ في جنبِ الصلاةِ مدامعكْ


جدة

٢٦ فبراير ٢٠١٣

الأحد، 10 فبراير 2013

لا شيء هُنا

هل فكرّتَ يوماً بأن مساحةً منَّ اللاوجودِ تستقرُ بيننا ، تلك المساحةِ التي يتركنا بها التغاضيّ وتمتدُ لهاً يداً من الضبابِ الحانقِ فلا نقوى على النجاةِ من الاختناق ونحنُ نرى الحياةَ تموجُ في مفاتنِ الأحبة وعروقِ دمائهمْ، وتأويّ انتصابَ أعناقهم للإلتفات فلا رحمةً تنزلُ على أفواهِنا لتُريقَ مافي القلب من رمقّ ، ولا أُذنٌ لهم تقترب فتسمعُ أنينَ الروحِ فينا، ولا عقلاً لنا يُدركُ حدودَ هذا الفضاء العاري من كلِ إدراك ، الذي يدفعنا لنتقمص دورَاً من اللهو يُفرك أحشاءنا بالنار ،فتتداخلُ ألسنةَ اللهبِ الأزليّ ، لهبُ الحنينِ الدامي ، لهبُ الاشتعالِ المُر ، ولهبُ الابتسامةِ الصفراء التي نجرُ أذيالها ونُعريّ جلودَ النُضحِ فيها، وحدها العينُ التي تُبصر وتصبر وتتأمل وتحكي داحسةَ الفؤاد وغبراءَ العقل ، وحدها العينُ التي تطلِقُ أرجوحةً في الهواء وتمدُ قدميها لتُدخل في صدرها كلَّ السموم ، وحدها كآخرِ النخلِ الحزينْ ، آخر ما يدلُ على البقايا نخلةٌ آثرتْ أن تفي لتُربتها وتقفُ بعد أن طوّحَ الجفافُ بجاراتها وانكشفتْ سوأةُ أراضيها ، وماتَّ كلُ منْ فيها .. أو ليتهُ ماتَّ ولمْ يقف مُهملاً في ساحةِ اللاوجود! ..

كيف التجني وفي الأحشاءِ خارطةٌ من نسيجٍ بنفسجيّ لا يرتخي إلا على جناح الطير الذي رفرف في سماءِ الإله المُطلُ برحمتهِ على كل شيء ، حينَّ تُناجي جوانحُ الشوق أنفسها تحتَ ظلّ الشخص المُلقى على عاتق الكيانِ الإنساني ، أيعقلُ أن يكون كلُ هذه التناقضاتُ تصدرُ من سماءِ عقلٍ واحدٍ ، وبلغاتٍ كثيرة تلعقها يدُ الرذاذ ، وتستريحُ على أعتابها سكرةُ النسيان ، من أي مكانٍ أتت هذه الجموع الشاردة من بوابة الرضوخ وصومعةِ الرجاء الذاهلة.


وقفتْ هذه القُوامُ خلف سادن الشمس ، تحتَ ظلالِ الرؤىٰ التي لا ترد ولا تألو مهجةَ الصياح ، ولربما علمت نواصيف الرمال أن نبقى على صعيد اللاشيء متلاقينَ عند نقطةِ الالتقاء بالتجاهل .. ولعلّها تذوبُ هذه الكلمات التي تصطفُ كالجندِ كلما انبرى لها الأنينُ الأزلي الساكنُ في بيدائنا الحُبلىٰ عند كوةِ الشوق الباليّة وأسماء الحُب التي بسطناها في صعيد الأزف!



جدة

١٠ فبراير ٢٠١٣

الأربعاء، 23 يناير 2013

كنّ أنتَ أو أنّت ! ..

كلما أدرنا عقارب الساعة لنسبق الوقت ونُصارع الزمان لتدور عجلاتُ عقولنا وتتحطمُ حوافر الجهلِ في عربتنا الصغيرة ، كلما أنبنا عن ظلامٍ دامسٍ أتىٰ بظلٍ آخر وطوحَ بأنوارنا بعيداً عن إشراقةِ البال ولمعانِ السؤال.


كلما حشدنا صفوف الجهد في سبيلِ البقاء والإحلال وخضنا حُروب الإثباتِ لأفكارنا ومن ثَمَ صُدمنا بخسارةِ الموقعة أدركنا أننا كُنا نجهل قواعد اللعبة ومفاتيح الوصولِ إلى المُراد. زرعَ الأمل في قلوبنا ألوانَ بهية تعتصرُ الإرادة وتستميل العدوَ إلى القمم ، فجئنا مُقبلين لإكتساح جذور السواد من محيطنا الخاوي فأثمرنا فيضاناً هائلاً يخلطُ الأوراق بين الفينة والأُخرىٰ ، لا نزالُ صامدين في وجه المخاض نُقاوم احتضار اللحظات التي تنهال لتقفَ بيننا وبينَ آمالنا كجسرٍ للعبور تنوءُ بقدرِ المسافةْ، نقفْ ثم نمضي ، نمضي ثم نقف مُكبلينَ بشهوةِ الحياة على ضفاف النهر اليانع والجنةِ الخضراء. وعندما نُسرف في الجُهد نتوقف لبرهة نسألُ فيها عن أمانينا وأنماطنا الذهنية التي غشتْ على فوهةِ الذكرىٰ وبركان الواقع .. ويبقى السؤال : لماذا نفعل كُلُ هذا؟ هل هي الرغبةُ الإشراق؟ ، أم الإصرار على البزوغ؟، أم أنها سُنةُ الوجود ؟!، هُناكَ شيءٌ ما يدفعنا لأن نكون مختلفين لأن نكونَ أكثرَ اشتعالاً وأقلَ رماداً عن سائر الكوّن .. هناك شيءٌ يزجُ بنا في سُبل البناء في قيعان الدمار داخل أحواضِ المتخاذلين الذينَ يبقونَ كما هم بعد أن نبسط لهم الأرض ليمشوا على آثارِنا فلا يفعلون! ، عندها يتغيرُ السؤال فيكون: لماذا نفعل كُل هذا من أجلهم وهم لا يُثمنونَ ذلك؟! ، ونتناسىٰ أننا نؤدي طقوساً في صومعةِ الحياة، شئنا أم أبينا ، سنمضي في طريق الشاهقينَ إلى العناء .


كنّ أنتَ أيُّها الأنسان .. فكلُ هذيانٍ تُقدمهُ ساعديك ويُثني عليهِ لسانُ الحلم فيك هو صلاةٌ شافعةٌ في سماء الإيمان المعطرة بأحاديثِ الأمل. شئتَ أم أبيت ستكنسَ الطُرقاتِ وستعمر الأرض وستبيع المحبة إلى أن تشتريها نجوم السماوات.




المدينة النبوية

٢٣ يناير ٢٠١٣

الثلاثاء، 15 يناير 2013

اشتباك!

تخبو نبرات الكلام في قلبِ السكون ويتصاعدُ البوحُ في سماء السكوتِ حتى يُعري قامةَ النسيانِ الأزليّ .. يبدو لنا فمُهُ المليءُ بالكلمات وأخبارِ الهوىٰ ، كلما أجّزنا ساحته لندونَّ أعراضهُ ونُداوي جريحه أسرع في العدوِ فضرب علينا التيهَ في مُبتغاهْ .


كنتُ أستدنيهِ حتى أوازنَ قامتهُ بين الكلمات وأُصفصِفُ كلماتَه في سطورِ العقل فأرسُمُ لهُ أبعاداً كما تعودتُ ، وأُحاكي أبعادَهُ المترامية على أطرافِ الإنحراف. ضربتُ عليه السفر لينشغل عن شُربِ مياهِ الغوايةِ المالحة، تركتُه يمشي على خطٍ مستقيمٍ بين الأرض والسماء وأدرتُ لهُ سرعةَ الضوءِ ،ذاك أنا .. أو هكذا كنتُ مذُّ تحسست ألغازَ هذا الكون قطعةُ خاصرةَ الأرضِ وما زلتُ طائشاً يُنقلُ فؤاده بين أنقلضِ الهلاكْ .. كائنٌ يسكنهُ الخوفُ من عدمِ الخوف ، قامتُهُ تمتدُ من أقصى الحجاز حتى نقطة الشرقِ حيثُ تبدأ الأشياء يلتقطها طفلُ الحبِ فيحولها إلى لا شيء ، أو يعودُ بها إلى حيثُ كانت كاللاشيء. وأتسائل ! .. هل هو الحُب أم أنهُ وهمُ البقاءِ الذي يُجاذبنا إيمانَ الرحيل؟! ، طالما كانَ هذا السوادُ الأعظم يجتاحُ أسوارَ الخطيئة فيمضي بنا فوقَ قارعة العقل ، يحولُنا في ثوانٍ إلى مسحوقٍ باليّ. ذاكَ الهُلامُ السامريُّ الذي تركنا نهويّ إلى قيعانهِ المُرّة ، بعد أن حُجبتْ شمسهُ السمراء عن أبصارِنا وعنّ أسماعنا.



كل شيء اقتادنا إلى نفقِه المُظلمِ كانَ ثوباً من حميم ، وصيباً من هلاك ، وزمهريراً من ريحٍ صرصرٍ عاتية. هذهِ قامتي انتصبْ لتُناهضَ شياطينهُ وتستدعي يد الهوانِ فيهْ .. ها أنا لستُ أدري بعد أينَّ أتيتْ وأينَّ سأمضي دونَ أن أُشهرَ سيفَ النبوءةِ في وجههِ ، وأستردَّ سلحتي الخضراءَ من نارهِ المُلقاةُ في أرواحنا.




١٤ يناير ٢٠١٣
في السماء