الجمعة، 23 أغسطس 2013

صداعٌ أول

خطوةٌ إلى الصداعِ تعودُ بالشوقِ إلى مكتنِ التعب. يتسللُّ في الصباحِ إلى حزانتهِ يبحثُ خلفَ الرفوفِ عن قميصٍ يواري عورته. كلّما كانَ الفضاءُ أزكى بالعبير كلما كان البحثُ أطول. يعلمُّ أنها لن تراه ويبحث!، يعلمُ أن آخرَ عطرٍ تجاوزها كانَ من خزانةِ أبيه. شيئانِ يجتمعانِ دوماً الحُبُّ والجوع. وآخرانِ بلا وِفاق : حبٌ و قُدرة. صُرّتُهُ المُلقاةُ على الطاولة، ينظرُ لها ويبصر ذاتهُ فيها دونَ أن يذكر كيفَ كان يفتحُها كل صيف ليبحثَ عن هداياهُ الصغيرة. 

لا زالَ في الأرضِ مُتسعٌ ليكتبَ الرسائل، كرسائلَ لن تصلْ أبدا :
من غُرفةِ التوقيفِ ألهث، ولكنني قادمٌ بعد هذا سنأخذُ ماءنا الدافئ، ثمَّ نصنعُ بيضتان أو لن نفعل ! .. فأنا على قدرِ الجوعِ اشتاقُ لنهدينِ من عاج يملكونَ صدري ويخجلونَ من القُربِ مني. كما كُنتُ أحلم كما لا زلتُ أرجو لأن تبقى خطيئتنا في الأعالي. واحتاجُ قدميكِ لأرفعَ خطوتي عن التآكل، مخاضاً يجمعهُ التائهونَ إلى التباهي والانقضاض. ولو أحلمُ إن كُنا مسافرينَ معاً على متنِ أقدامنا حينها ينكشفُ إلى العراءِ جسدٌ واحدٌ كل ليلة، هذا هو نحن. هذا هو أنتِ قبلَ أنا. لايزالُ المأمورونَ بالتحيةِ والكلامِ يُرددونَ أسرارَ شقتي كاملة، ولا يعرفونَ شيئا عن سُعالنا الأبدي على الملاءة. هذا الوِرثُ الذي نتركهُ للثعالب، لم يكن يوماً لينضبْ. هكذا تنمو سرائرُنا دونَ أن نشعر. نحنُ موقوفونَ على بابِ الأحبةِ والحياة،لا نكادِ نعبرُ حتى نكون على وشكِ الامتزاج، كطائرتينَ من الرصاص، كمسمارين على مدخلِ حانة. يواجهونَ الإشتهاءَ والسكرة. وحانَ أن يخرجَ قلبُنا الأعزلُ من وراءِ الحُجب. نُحبُّ نظرتنا كثيراً ، لكننا نحلمُ بالعمى ونكونُ محتاجين إلى اليدينَ كُلما أردنا التأكُد من وجودِنا جنباً إلى جنب. هذا الإلتماسُ يودي إلى التهلكة، يحدثُ أن نكونَ مُغرضينَ في اليأس، ولا بأسَ أن نيّأس ، لذوبَ في بعض الثلجِ والحسرة. فلم يّعُدْ بعدُّ لنا أملا في التشفي ولا الإستقامةْ. زمنُ أجدادِنا ولّى ونحنُ الآنَ شيءٌ من التُفاحِ ينتظِرُ المغفرة. لم نأكل كما أُمرنا، ولكننّا شبعنا الإنهزامَ للجوع. الآن يبدو على وجهِنا السُخطُ لأننا رفضنا البحرَ أو السباحة، وأردنّا أن نزرعَ من الجبالِ وروداً وأماكنَ للصلاة.

كعمرٍ يستعدُ للتحاورّ مع الأمكنة والطقوس، كانَ حزامُنا صبراً للنبوءة، واستئناساً بالتعب. تمتدُّ المسافة وتشعرُ أقدامنا بأنها تغرق. ويبقى من الأثرِ ما يخذلُنا. لهذا الوحل أن يذكر حجم أقدامنا وقلوبنا لا تدري!


المدينة
١١ أغسطس ٢٠١٣

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق