الأحد، 24 أغسطس 2014

سميح القاسم ..

هل قُلت أنني متعبٌ من حمل النعش؟، ومتعبٌ من المشي على البسيطة، وهل رأيت عمّان على بُعدٍ من مسقطِ رأسك تغرق؟، ها هي عمّان دائما على بُعدٍ من كل شيء وغارقةً في وسطِ الجبال ، أم أبيّت ألا تترك الحصان وحيداً دون رفيقٍ هناك في الموت؟. كل سؤال لهُ جوابٌ ولكنه ليس سوى سؤالا آخراً أردتُكَ أن تجيب عنهُ شعراً لا حديثا .. وداعاً دائما .. وداعاً أبدا ، سأمشي حاملا نعشي على كتفي وأقول لك :

أشدُّ من الماء حزناً
تغربت في دهشة الموت عن هذه اليابسه
أشدُّ من الماء حزناً
وأعتى من الريح توقاً إلى لحظة ناعسه
وحيداً. ومزدحما بالملايين،
خلف شبابيكها الدامسه..

الثلاثاء، 12 أغسطس 2014

طهارة

أحاولُ أن أُطيحَ بذكرياتها

فترسلُ الأقدارُ لها سيلاَ

يُفتتُ أسوارَ الجسدْ

يا سرابا قامَ بالأجداثِ يخطِبُ

وبالأحياء يحتطبُ

ويا مُوغلاً في النحيبِ والصلواتِ التي

تأكلُ خطاياكَ من الحقيقة

فتخرجُ طاهراً من غيّكَ الأبدِ

يا مولدا يتهيئُ لأن يُصلبَ في مهدهِ

الظهران

٣ آذار ٢٠١٤

نوراً

غيرَ هذا الدخان الذي يتصاعد من رحمِ الذاكرة

أتى ، 
ليَّ الموتُ نازفاً في برههِ
مثل جُرحٍ يسقطُ من سحابة، 

ومضيتُ ..
استعيذُ بدنياهُ عنيّ

ووحيُّ الحياةِ لا يستقرْ

أيها التازلونَ في فمي :
"هل صارَ نوراً دمي"؟

أولُ الوطن

دخلتْ إلى غرفتها

فاحَ وجهُ الغبار

تسألُ :، أليست أولَ هذا الوطن! 

مُحاق !

وضعتُ على خارطةِ الطريقِ جسدي

فماتَ القطارُ

وابتهلَ المسافرونَ إلى المحاقْ

قُلْ :

يا مُنعشَ الموتى  ..

هل كانَ ثوبُ الحياةِ لينفعك!



١١ كانون الأول ٢٠١٤
جدة

خلّاقة

طُغيانُ هذا الصباحِ يرمُقنا، ونحنُ في شارعٍ أبيضٍ
لا يرى المُشاةُ أقدامنا

لا يسمعُ المشاةُ أصواتنا ، 
حينَ تلهثُ بالصراخِ أو الغناءِ

وحينَ تكونينَ أولَ وهجٍ يُوقظُ الموتى
أولَ عُملةٍ تُصقلُ في جبينِ اليومِ 
وأنت الخلاقةُ لكل شيءٍ -سوى شغفي-


الاثنين، 4 أغسطس 2014

السلطة وخطابها

منذ بداية تراجع المعسكر الإشتراكي وصعود التيارات الدينية مرةً أخرى كجزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والسياسي وتعامل الأنظمة العسكرية والرجعية القائمة معها ببراغماتية وتوجس وترك مساحة اجتماعية لها مثل توليها معظم المؤسسات التعليمية في الخليج العربي والجزائر وصياغتها للعقول الناشئة مما جعلها قادرة أن تُشكل حيزاً لا بأس به وكيانات متواجدة فكريا وجسديا داخل هذه الأقطار العربية ، وأُلزّمت القيادات السياسية في كل من هذه الأقطار التعامل معها عن طريق وسيط أو مباشرة وخاصةً بعد انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية وتزايد الطموحات الأصولية وانتقالها من الحيز المجتمعي إلى السياسة. 

ونذكر جيداً ما حدث منذ اندلاع الثورات العربية وكيف أثبتت هذه الجماعات تغلغلها لدى الثقافة الجماهيرية العربية واكتساحها لصناديق الإقتراع ومن ثم تعاملها مع الواقع مما دعى الشباب للتفكر في المصير والمستقبل وهو أن هذه الجماعات جزء لا يتجزأ من الأنظمة المستبدة وخاصة أنها تتبنى الخطاب الأصولي بحذافيره وأغلب تفسيراتها للنصوص تتوافق تماما مع تفسيرات الأنظمة المستبدة بشكل أدق ويتبقى الإختلاف في التعطيل والتطبيق والمصلحة الدينية العليا وبقية الديباجات المأسلمة.

وبعد انخراط الأنظمة المغلقة وهذه الجماعات في صراع ما بعد الثورات على السلطة وإصرار كل من الطرفين على إقصاء الآخر ظهرت تعبيرات هامشية كما يراها البعض وفي ظل المخاض الثقافي والسياسي أصبح الجميع في معزل عن المستقبل مجددا أسلحته بالوسائل لا بالغايات وتتابعت الدعوات للحلفاء 'وغير الحُلفاء' بأشكال متعددة لمد يد العون وبالرغم من أن الجميع لا يريد إعادة الماضي وصراعه للواجهة إلا أن الجميع أيضا يستخدم ذات الوسائل في حربه مع النظائر فالأنظمة المحافظة التي دعت الخطاب الديني للجماعات في صراعها مع التمدد القومي في بداية ستينيات القرن الماضي وبما أن الخطاب الديني المُسيس - أيا كان شكله- أتى مُغلقاً ولكنه قام بالدور الملائم من وجهة نظر هذه الحكومات آن ذاك وسرعان ما تصاعدت الاختلافات بين الأنظمة المحافظة وخطاب تلك الجماعات وأفرز ذلك الخلاف انقساماً مجتمعيا وسياسيا وانقسامات عدة داخل الأنظمة المحافظة والجماعات الإسلامية أيضا ، منها من اختار التطرف ومنها من اختار خطاباً تقدميا في الشكل الحزبي ولكن كل الأطراف المنقسمة داخل هذه الجماعات يؤمن بذات المرجعية للتفسير القرآني الموحد ولذلك وجدنا أنفسنا في مأزق الإرهاب غير قادرين على صياغة مفاهيم قرآنية تناقض الخطاب الذي كان سائداً خاصةً في بداية القرن الماضي وتتابع المد الجهادي وما سُمي بثورة العرب الكبرى.

ومع كل ما مضى نرى الآن الأنظمة المحافظة في الخليج تطالب الآن من خلال قياداتها خطاب ديني آخر يتمثل في السلفية لمواجهة خطر الجماعات الإرهابية والتي بطبيعة الحال تعيش خارج التاريخ كداعش والجماعات الأصولية التي اختارت العمل الحزبي والوسائل الحديثة للتعبير عن خطابها مما يُعيد طرح السؤال : أليس هذا تجديداً لصراع الماضي وإعادة لنتائجه كلها؟ . وطالما أننا لم نرى في الماضي خطاباً دينيا جديدا يعيد صياغة الموروث الديني ككل في داخل إحدى هذه الأطراف فما هو المرتقب والمُرتجى منها؟ ، وماهي النتائج والتطلعات التي تُنتظر من استقطاب أحدها ضد الآخر؟.

أي نعم إنني لا أُقر بتشابه كل الخطابات الدينية آنفة الذكر من حيث الشكل ولكن شهدنا تماما عدم قدرة أحدها تقويض خطاب الإرهاب ، ثم أننا لم نشهد سجال ديني سلفي مع الجهاديين أو الإرهابيين يُوحي بإختلاف جدري في العقيدة والمفاهيم كما يؤكد د. محمد شحرور في تجفيف منابع الإرهاب : ما وضعنا في مأزق الإرهاب هو القراءة القرآنية الموحدة لكل الجماعات والتيارات والمذاهب المختلفة.

إن الدعوة العامة لتيار ديني ما تعني أن الدولة عاجزة عن صياغة خطاب وطني قائم على وحدة المصير المشترك بالإضافة إلى أن الدعوة تُطالب التيار المعني بالخروج من البراغماتية الحالية إلى الحركية الجماهيرية وهذا وإن كان حلاً مؤقتاً إلى أنه يبعدنا تماما عن صياغة مشروع وطني حقيقي وهو في ذات اللحظة يستقطب المجتمع ويطالب كل من لا يتبنى هذا الخطاب إلى الإنضمام إلى الطرف الآخر بوحشيته وسلوكه.


وإذا كان لايختلف اثنان على طبيعة النظام الناشئ في المملكة العربية السعودية بالتحديد يتخذ صبغة تحالفية بين الدين والسلطة ولكن هذا الشكل قابل للتغيير ولديه فرصة تلوح بالأفق في ظل المتغيرات المتتابعة ولابد من أن ندرك انعدام الأفق العالمي على استيعاب مثل هذه الأنظمة على الأمد القريب والبعيد ولذلك وحدة المصير تتطلب مواطنة جديدة متجردة من كل السجالات الأصولية وتحريك المياه الشابة الراكدة في بناء ذلك.


إن المحاولة للخروج من الواقع تستدعي البحث عن سبل مُغايرة وإحداثيات مختلفة وخطابات وطنية صادقة منفتحة على الوسائل والتطلعات، فإن الخطاب الديني الواحدي يعيد إنتاج ذاته بفُرقائهِ المتطرفين مهما كان مُداهناً للسلطة ومتغلغلاً داخل مجتمعاته بحيث تبقى الحقيقة وأنه واحدياً لا يمكن له أن يرى الحقيقة خارجه وهذا سر الإنتاج المتتابع للجهادية وكيف لنا -على كل حال- إنتاج حاضر ومستقبل مغاير بأدوات ماضوية منغلقة على ذاتها إن لم نخلق جواً مُغايراً وأدوات مختلفة، فإن كل ما نفعله الآن يدخل في عداد العودة للماضي وشكله ومضمونه.