الأحد، 14 يوليو 2013

الخليج وسيّلُ الموازنة ..


تبدأُ سلسةُ التكوين المجتمعي من صميم العُرفِ المتوارث مزودةً بتقاليد ورغباتٍ تطلعية للتوجه الوطني الموحد في سياقٍ مُوجه ، تمر ذاكرةً الشعوب لتعرج على قارعةِ الطريق، ولاينفك جمهور الجمعِ يسأل عن بوادرَ الغنيمة التي تلوحُ بالأفق على كافة الأصعدة. 
يبقى من اللحظاتِ ما يصبُّ في خارطةِ الطريق واحتمالات المتابعة. 

ولعلَّ ما يُحيطنا اليومَ من فضاءٍ جديد تطغى عليهِ أسرارنا المُثلى وطرائقنا المختلفة وإن نابها ضربٌ من التشويهِ والإقتراف مما يؤخرُ كونها صورةً واضحة تُشيحُ عن وجهِ تركيبتنا المغايرة. 
ولنا أن نعي التباعد المفروض بين ساحة الصوت والصورة إذ أن منهجيةَ الإعلانِ عن مشهد العموم تنأى بما تُمليّهِ الظروف والأحداث، وبالرغمِ من اعترافنا ضمنياً بأن منهجية رأس المال تطغى اليوم على سلوكيات الحياة ومنابعِ الرأي وبؤرةِ الأحداث فهذا يضعنا في مكان الحدث مكممين الأفواه والأيدي، ففي أغلبِ الأحيان لا يتسعُ الفضاء لقولِ الكلمات أو لإحداث الفروقات في فضاءِ مُجتمعٍ ما إلا بوجودِ المفاتيح المؤدية لذلك ومن أهم هذه المفاتيح على الأقل في دولِ الخليج هي رؤوس المال، فلذلك نرى أخطاءً عدة في سلوكيات التعبير والمجاز. 
ولا ينتهي هذا التأثير عند حدٍ مُعين بل يطالُ كل منتجاتِ الأيدي ومُخرجات العقول ومباحث الفكر وهذا بيّنٌ في أرجاءِ عالمِ اليوم. إن ما نشتكي منهُ منذُ عقود عن تردي الإنتاج الفني والثقافي والإعلامي ومختلفِ الأُطروحات هو من جراءِ اغفالنا للنظام الرأسمالي المُتداخل في تكويننا المُجتمعي ، ويبقى الجواب البديهي لهذا التعجب في الإنحدار هو انعدام الفرص أو احتكارها من قبلِ فئةٍ ما نجحت في صنع رأسِ المال أو التجارة ودخلت في مجالات الإنتاج البشري المتعددة بسلطة المال ولأنها لا تملك من مقومات هذا العمل شيئاً فمن المؤكد اهتمامها البحت في الجانب المادي دون النظر إلى الجانب التقني أو الفني في العمل ويبدو هذا جليا خاصةً في مجالِ الفنونِ والثقافةِ والإعلام.
سيكونُ من غير المُنصف أن ندعو إلى محو هذه العلاقة الرأسمالية بالإنتاج الإنساني لأن لها سيادة في جميع الميادين وفي مُختلفِ الأرجاء ولكن تبقى لنا أن نفهم هذه التركيبة ونعترف اعترافاً صادقا بتأثيرها الشديد على المنتج الانساني في مُختلفِ الميادين. ومن غير المُنصف أيضاً أن نرمي باللائمة على أجيالنا الحاضر ونُحملها مسؤولية التراجع في الإنتاج وهي بكل تأكيد لم تكن أقل كفاءة مما مضى أو هو قادم، ولكن الخيار المادي أو المالي كان اللاعب الرئيس في تشكيل الصورة ، فلو استطعنا أن نوائمَ بين نظامنا الرأسمالي الغير مُباشر وبين الكفاءات الحقيقة لاستطعنا الحصولَ على المكسبينِ معا ماديا ومعنويا.

يقول جان بول سارتر : بالأحجار قد تبني للحريةِ معبداً وبالأحجارِ ذاتها قد تبني لها مقبرة ! ، وقياساً على ذلك بالأموالِ قد نأتي بمنتجٍ بهيج وبالأموال قد نخلط الحسابات ونُسقط السقيفة على فنوننا وعلمنا واعلامنا وثقافتنا ونجعل من مجتمعاتنا مجتمعاتٍ أُحادية المغزى والطموح.


جدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق