الثلاثاء، 10 يونيو 2014

النخبة ومفهوم الدولة

بدايةً من نشوء الحدود القطرية في العالم العربي والصراع بين بين الهويات القديمة (الجزئية) والهويات المتجددة (العامة) في تزايد وتصاعد وكلما وصلت الأمور في زمن ما إلى نقاط فارقة، تخرج هذه الصراعات في صورتها الحقيقية مؤكدةً على استحالة تصورها بدقة في مراحل عدم الاتزان، في الوقت الذي تظهر فيه إمكانية مساءلتها والتأثير فيها وربما التأثر بأبعادها. 
وتبقى الجدلية الممتدة في محاولة تقيدها ووضعها داخل قوالب محددة في سياق التجسيد الذي يجعلنا أكثر قدرة على مسابقتها نحو المستقبل ودفعها في سبيل القيم العليا أمراً لا يخضع إلى شيء بعينه إنما لسلسلة أحداث وذكريات مديدة لا يحكمها شيء.


ويبقى الصراع الأولي على الجسد والغذاء متداخلاً في تكوين الهيئة المجتمعية لكل الشعوب والأجناس ولاعباً أساسيا في تحريكها لا سيما أنه يعزز الأدوات التقليمية الأولية كذلك وهي التي تقوم على اللون والشكل والطقوس دينية أو مجتمعية ويبدو ذلك واضحاً في تكوين النخب المثقفة في المجتمعات التي يختلط بها الدين والدولة والنظام والمجتمع. 
وكل ذلك يبدو لنا واضحاً في المراحل الانتقالية للقوميات والشعوب وإذا ما استقينا من نموذج العصور الوسطى أوربيا أو في بداية الثورة الأمريكية سنجد أن الصراع يأخذ أشكالاً متعددة يعبر عنها أشخاص بعينهم كممثلين عن هويات جزئية ولكن بسلطة عامة ولكن سرعان ما تبدأ المجتمعات في تفصيل هوياتها في سبيل الوصول إلى هوية عامة ويبدو غريبا جدا إذا ما نظرنا إلى الآباء المؤسسين في الولايات المتحدة وكيف أصبحو بحد ذاتهم تمثيلاً شاملاً لهوية وطنية كاملة ولكن لم يمض كثيراً حتى تجدد هذهِ الهوية وانصهرت في فضاء مجتمعي عام له أطروحاته المتسقة مع الظروف والعصر والمستقبل وليست مقيدة بما كان يعتقده الآباء ولا بتبني وجهات نظرهم عن القضايا ، ولا بتبني آراءهم الشاملة. 

ولو أخذنا جون لوك كمثال عن ذلك سنجد أن غالبية النخب الأمريكية التي مرت على مر القرن الأخير لا تتبنى رسالته للتسامح التي يرفض فيها التسامح مع 'الكاثوليك' أو 'الملحدين على حد وصفه وهذا ناتجاً عن تطور المفهوم العلماني للدولة وبوصفها هوية تحتفظ بكامل هوياتها الجزئية وليست حبيسة لآراء ممثليها الأوائل والدليل على ذلك توجهات المؤسسات المدنية في محاولة التسوية العارمة لأفراد مجتمعاتها والأمثلة شاهدة على ذلك.


وفي العالم العربي اليوم وبعد الأحداث المتواترة التي شكلت منعرجاً تاريخياً في حياة العرب اتضح لنا أننا أكثر بُعداً من طموحاتنا ولا سيما على مستوى النخب وبدا هذا واضحا في خطابات النخب التي لا زالت تلخص مفهوم الشعب أو الجماعة في شخصيات بعينها لا يمكن أن تحيد عنها قدر أنملة. ولا نستغرب اليوم إذا رأينا صحفيا يُحسب على نخبة في بلد ما أن يُبرر هجومه أو حقده على شعوب بعينها بسبب تصرفات زعماء غابرين لها مما يؤكد على أن شرخاً واسعا في مفهوم الدولة والنظام يتباعد في تكون العقل المجتمعي لنا ، ومن المؤسف أن كهذه العقليات التي عاشت بيننا الخمسة قرون الماضية بوصفها نخباً لم يشأ لها القدر أن تراقب ماهية الدولة كحقيقة قابلة للتغير بالرغم من إدراكها لإنفصال الدولة العربية القطرية الغارقة في النظام عن ثقافة شعوبها وتطلعاتها. وكمثال سيبرر لك هذا الصحفي  أو الكاتب-المحسوب على النخبة- عداوته لشعب ما بسبب احتلال حاكمه المتسبط لدولة أخرى راميا بذلك كل الأسباب عرض الحائط والأمثلة تطول.


وفي النهاية لابُد أن نُقر بأن الصورة ليست سوداوية بهذا الشكل السالف ذكره وإنما هذه عينات فقدت قدرتها على فهم الخطاب الشبابي ولازالت بعيدة عن أبعاده ومفاهيمه، وأمكانيته على كسر حاجز المفهوم 'السلطوي' الذي يجمد عقلية المثقف وآراءه.


الظهران

٦ جوان ٢٠١٤

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق