الأحد، 22 يونيو 2014

الهوية وأزماتها ..


تخوض الشعوب أشكالاً من الصمود والمقاومة في السبيل إلى الحياة والعيش وتبقى سلوكياتها معلقة بمدى تقدمها في تكريس الإنفعالات وقراءتها سواء كانت فكرية أو جسدية أو متعلقة بالبقاء أو العدم. وفي هذا الصدد تتطور شكليات السلوك متخذةً مُبرراتها المواتية للظروف والصيرورة.

إن النفس البشرية عادةً ما تهب للقيام بمهماتها إذا ما شعرت بإنحسار وجودها محاولةً أن تمحو مخاوف اختفاء ملامحها عن طريق تكرار معتقداتها وتأثيراتها على الكون والوجود. وفي هذا الصدد تتبدل الأسباب لكل جنس وفئة فالأمم التي تمر بمراحل اتزان هويتها وبزوغ ثقافتها تلجأ إلى تجسيد شعاراتها أو سلوكياتها الصورية  أو نتاجها الفكري أو رموزها التاريخية في السلم والحرب في سبيل أن تقول للكون أنها 'هُنا' !.


وكلما كان خطاب الهوية مهزوزاً اقتربت الشعوب في نكباتها أو أزماتها من بدائية الفطرة ولجأت نخبها إلى التعبير عن وجودها بأشكال أقرب إلى الفطرة منها إلى إلى النتاج الحقيقي للشعوب ، ففي بعض الأحيان تلجأ الشعوب للتعريف عن نفسها عن طريق الجنس أو المعتقد أو الأساطير البالية أو النخب المهتزة بدلا من استخدام معاير الزمن والعصر لإثبات قدرتها على البقاء وكلما نظرنا إلى الأزمات المتعددة التي مرت في التاريخ والسبل المتخذة للتعامل معها من قبل الشعوب المتأزمة وجدنا تبايُناً واضحا ومرتبطاً بماهية الشعب المتأزم ومدى قدرة الجانب الحي من موروثهِ للتصدي للإزمة المطروحة.

وعلى سبيل المثال ما كان عليه الحراك المجتمعي في الهند لمواجهة الاستعمار أو الحماية البريطانية على مدى قرنين من الزمن وماحدث من اتساع للطبقة المتوسطة التي حاولت أن تحافظ على وجودها للحد الذي جعلها تتشارك في العادات والتقاليد وتعممها حرفيا مع اختلاف المعتقدات لأفرادها ويُدلل على ذلك مدى تشابه السلوكيات اليومية حتى تلك الغذائية أيضاً لأغلب فئات الهند المندمجة في كيان موحد. 

 وربما يُفاجئُنا الحديث عن حالات (شعوب) أخرى واجهت الإقصاء أو الاستعمار بأشكال مختلفة ومنها والتي نلاحظ انصياعها لرموز وأشخاص بذاتهم ومحاولة إيجاد إطار محدد للوقوف عليه ففي الحالة العربية عموماً دائما ما نسمع ونلحظ ترويجاً للشعارات القطعية كالبطل فلان والشهيد فلان والعظيم فلان والملك الصالح فلان إلخ .. ويقتضي ذلك وجود فلان المنتمي لفلان وفلان الناصري وفلان الزيدي وفلان الدستوري وهلمَّ جرا ..

ويؤكد ذلك يوما بعد يوم أننا نعاني من أزمة في صيغة للهوية والثقافة المشتركة للشعوب العربية التي تواجه مصيراً مشتركاً أيضاً وهي التي لا تزال غارقةً في الرمزية وفي الماضي دون اللجوء لصياغة معنى حقيقي للوجود.

فما يُمكننا أن نتحدث عنه هو الإدراك بعالمية الشأن العربي وإمكانية الهوية في مواكبة الظروف والتطلعات في آن واحد مع المساهمة في إثراء الثقافة العالمية والإبتكار العالمي فالشعوب التي تنقرض ثقافياً هي التي لا تساهم في الإنتاج البشري ككل وتظل معلقةً في ماضويتها وانعزالها دون القدرة على نقد موروثها ومحاكاة حاضرها والتطلع إلى مستقبلها.


المدينة المنورة

٢٢ يونيو ٢٠١٤

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق