الخميس، 10 يوليو 2014

الأصولية وأزماتها

منذ بداية الحرب الباردة في منتصف أربعينيات القرن العشرين وانطلاق المعسكرات شرقا وغربا في سن أسلحتها وانحياز كل منها لأحد الفريقين (الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي) , في سياق أنظمتها الداخلية أو الاقتصادية واضعة مصالحها السياسية والحزبية في طليعة الأهداف.
وكان لكل من وقف إيديولوجيا مع إحدى الطرفين  من دعم دولي منفردا عن غيره من القوى السياسية داخل البلاد والأقاليم وسرعان ما بدأت اللعبة تتسع ولم تتوقف على الأنظمة الحاكمة كما كان بل شملت الجماعات المسلحة والأحزاب المعارضة كما حدث في حرب الإتحاد السوفيتي على أفغانستان في عام 1975 وتوسع الجماعات المسلحة ونشاطاتها غير مسئولة عن توجهاتها وآفاقها لاهثة وراء مصالحها التي تضمن لها تحقيق تطلعاتها . ومع بداية تساقط الاتحاد السوفيتي وإعلان ميخائيل غورباتشوف تفكك حلف وارسو وسقوط الاتحاد وانتهاء الحروب المقدسة, أعاد كل معسكر إنتاج تطلعاته وترجمتها على أرض الواقع سواء كانت أنظمة تحاول البقاء أو جماعات حالمة في تحقيق مآربها. وسرعان ما تصاعدت الأحداث بين هذه الجماعات ( القاعدة) على سبيل المثال وبين القوى الإقليمية والدولية وصولا إلى أزمة أيلول/سبتمبر 2001 واستهدافها للقوة العظمى في العالم الجديد عازمة على خوض الصراع ومن ثم أحداث تولوز الفرنسية.
ومنذ وقوع أحداث أيلول استخدمت هالة الحادثة في شن حرب مضادة ضد القاعدة وتقويض إمكاناتها في إرهاب المجتمع الدولي قادته الولايات المتحدة وحلفاؤها. كونت الأمم المتحدة تحالفا أمنيا وبدأت الولايات المتحدة وفرنسا في شن حروبهم السياسية والاجتماعية والإعلامية تجاه التطرف واستطاعت في التقليل من سلسلة الحوادث داخليا مقارنة بدول المشرق والشرق الأوسط.
أما وقد كنا شركاء في ذلك على الصعيد الأمني وقد ساهمنا جليا في ذلك منذ النداء الأول وقد كانت معظم الدول العربية حاضرة في مدريد عند إقرار الأمم المتحدة لبرنامجها في مكافحة الإرهاب والذي تلخص في كل من:
1)      إثناء الجماعات الساخطة عن اختيار الإرهاب
2)      حرمان الإرهابيين من وسائل تنفيذ هجماتهم
3)      ردع الدول عن دعم الإرهابيين
4)      تطوير قدرة الدول على منع الإرهاب
5)      الدفاع عن حقوق الإنسان في مكافحة الإرهاب
ولاشك في مساهمتنا في تدعيم الجانب الأمني والاقتصادي في مكافحة الإرهاب ويبقى ما الخلل إذا لماذا تحتوي تلك الجماعات على أعداد كبيرة من مواطني الدول العربية بالتحديد؟, صحيح أن منطلقات هذه الجماعات أصولية بالدرجة الأولى وتأخذ مرجعيتها من السلف أو من التاريخ الماضي رافعة شعاراتها في مواجهة الحقيقة الحالية واسترداد الأزمنة الساحقة ولكن لماذا أحرز شركاؤنا تقدما في حربهم ضد الإرهاب أكثر مما فعلنا ؟ ولماذا فشلنا عربيا في تكوين نماذج واقعية قادرة على التعاطي والمشاركة وعلى مواجهة ذلك اجتماعيا واقتصاديا وفكريا؟

وكان من الصعب جدا على مختلف الدول أن تتحول إلى أجهزة أمنية تراقب نشاطات مواطنيها ليلا ونهارا ولذا فعلى سبيل المثال نجحت الولايات المتحدة وفرنسا في خلق فضاء معادي للإرهاب وثقافة مضادة ظهرت في تعاطي الإعلام مع حالة القاعدة على سبيل المثال وكما ذكر المفكر على حرب في كتابة أزمنة الحداثة الفائقة والذي يتحدث فيه عن المشروع الأمريكي للإصلاح العربي في مؤتمر الاسكندرية وتطلعاته لمحاربة هذه الظاهرة يقول : "إن ما  حدث من هجمات إرهابية ليس عمل إرهابي بحت , وإنما هو فعل ثقافي بقدر ما هو حدث فكري "  ويتابع : "إن معالجة الإرهاب تحتاج إلى إجراءات أمنية بقدر ما تحتاج إلى تحولات في بنية الثقافة بثوابتها ونماذجها أو ببرامجها وتعليمها" .

إن الحديث عن إلغاء الأنشطة والسلوكيات المحتمل تحولها إلى فكر إرهابي ليس كافيا لتفادي ذلك فالمجتمعات تشكل ما يلائمها وثقافتها بأي شكل كان كالمجتمع السوفيتي وعالمه الباطني الذي كان مغايرا تماما للواقع الظاهر. لذا فإن التحول الثقافي للمجتمعات العربية لابد وأن يكون شاغلنا الأول في مواجهة القضايا أجمع ولا ننسى أننا كجزء من هذا العالم مسئولون عن المتغيرات كافة فكيف بالظاهر التي تجعلنا في مقدمة الانحسار والتراجع ؟
إن ظاهرة الخلافة تعبر عن تحول جذري من الحلم للواقع للتطرف والأصولية ومهما أصبغت بالخطورة أو التهميش لن نغفل عن كونها واقعا جديدا يفتح الباب لظاهرة اندثرت منذ عقود ولو كانت متواجدة في أشكال أخرى وابتعادنا عن نقد الموروث السلفي للعقل العربي الجمعي يؤكد عجزنا في تجاوز الواقع.

وأخيرا إن الشعارات لم تعد كافية لمواجهة التحول الزمني والفكري دون اتخاذ ضروريات التقد في سبيل الحصول على مجتمعات أكثر صلة بالواقع تعيد إنتاج مؤسساتها وتطرح حلولا للإشكالات والتحولات دون الاعتماد على قوالب مسبقة وجامدة.


المدينة المنورة 
10 يوليو 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق