الأحد، 2 أغسطس 2015

معكِ ومع الكتابة

أجمل ما في الكتابة وربما أصعبُ ما فيها أنها تكشفُ لك جنونك .. ولكن بطريقة مغايرة تماما، فهي تخبرك عنهُ ساخرةً ، وأنتَ أمامها لا تملك ردعاً لهذا الجنون المتصاعد.

كلما اقتربت من شهوة الكتابة، تتنتفض أعضاؤك ، تتحركُ  وتتبدلُ ، يصغرُ فيها الضوء ويستشري الظلام الذي يستهوي توسيع دائرة الممكنات.
 في أول الأمر كنت اختصرُ جدل الكتابة في الوجود ، في إرادة البقاء على سُلمِ الورق متواريا عن الحركة التي تخضع لقوانين الطبيعة. إنها ليست كذلك ، فالأمرُ ليس بتلك الحدة وليس بهذا المجاز.

هناك ملايين الأسباب للكتابة، تتراوح بين الجد والهزل ، بين الحياة والموت ، البقاء والانقراض، الواحد والجمع، الصلاة والغضب .. وأكثر.
فكل قصيدة تحمل عالمها وكل العبارات عوالم. تتقابل ، تتضاد ، تتكاثر ، وتنحسر في نهر واحدٍ هو الشهوة التي تولدُ هذا النهم.

وتمثيلا لذلك فمن أقصر الطرق التي أُغضبُ بها نفسي أن أسألها: لماذا تكتب؟. ولا أعلم لماذا تغضب؟ ، ربما لأن سؤالٌ كهذا يُعدُّ اتهاما بالأنانية لا مناص منه. ومرةً أُخرى أهربُ للبحث عن سبب للبقاء ليَّدلني على سببٍ للكتابة. وأعيش ذروةَ الإنتشاء فقط ، عندما أعجزُ عن الإجابة.

إن كل تدخلات العقل لحل هذا الاشتباك تكادُ تفشل ، يؤزرُ هزيمتها المُعري ، بقوله :

ولا تَذبُبْ، هناك، الطيرَ عني
؛ولا تَبْلُلْ يداك فماً يذبّ

لماذا، إذن لا ترى الأعين التاريخ الذي يتصاعد الإنسان فيه ثم يهوي إلى القاع. بذات الأسباب وبذات السلالم التي يصعد بها إلى الأعلى.

يصعد درويش على صدر التساؤل ، لربما للحظة وربما أقل / لا أكثر مستعينا بإدوارد سعيد، وبضحيةٍ تسألُ  جلادها : 

يدُّ الفرضيةِ بيضاءَ مثلُ ضميرِ
الروائي حين يُصفي الحسابَ معَ
النزعةِ البشريّةِ .. لا غَدَ في
/الأمس، فلنتقدم إذا
قد يكونُ التقدمُ جسرَ الرجوعِ
/ ... إلى البربرية



أقولُ :

"ماذا سيرضي آدماً كي يستفيق من تعبه ؟، 
مُتعبٌ هذا الكائنُ .. لا تفاحةٌ تقْبَلُهُ
ولا حواءَ تُرشدهُ إلى المعنى"

ماذا ،إذا ، لو كان للشعرِ تفاحٌ ورؤيا؟


فردٌ يتآكلُ في عالمٍ يسيرُ بلا هدفٍ، سوى أن النهايةَ ترفضُ أن تعطيهِ خارطةً لها. 

جدة

٤ آيار ٢٠١٥

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق