الجمعة، 10 أبريل 2015

مطر

ها هو المطر يتمزق في شوارع الصحراء. من يُبالي؟، لا أحد. وكأنه أتى متأخراً عن قدره، وعليه أن يسبق كل شيء حتى يرتوي من وجوه الصبايا ، وليس لهن أن يغدقن عليه بنظراتهن ذات مره. ليس هنا أيها المطر ، ليس في هذه البلاد لن تعانقُكَ فتاة في منتصف الشارع وتتأمل قطراتك الذائبة على كتف الأرصفة. 

تمر اللحظات ، أسيرُ مسرعا دون عجل ، أريد أن ينتهي الطريق ولا أُريدُ الوصول هذا الغيمُ يعزفُ أغنيةً ليس بوسعي أن أُقاطعها رغم البؤس ورغم الجلل.

إنني أحمل في صدري ما يكفي من الموت ومن الحياة، من الوحدة والازدحام. فكل شيء نائمٌ في هذا الخواء، الخليج ينام على اللعنات والصحراء تنام على اللاشيء فيها. ولايوقظها سوى صوت الحادي بجوقتهِ الحمقاء.

هذه معابدٌ للنوم يا أنا، فاترك لعقلك أن يتماهى في سبات الجميع. لا تحزن لتكون حُراً. قاتل ولا تقاتل، اضحك دون أن تبتسم من سخريتك. اسخر من كل شيء. حتى لو كان لا شيئا !. إذا لم يتذكر الحجرُ ابتسامتك ، إذا لم ينتظرك الرمل على ضفاف المحيط فأعلم أنك سجّان نفسك.

تمر الدقائق ، ألمحُ عابراً على الضفة الأخرى -للرمل- . ما الذي يجعل الأشياء في حضور الغيم أقرب؟ ، أتابعُ المسير لا لجهةٍ واحدة. لستُ استدعي من في هذا الغيم شيئاً سوى غُربتي. الأشياءُ في الخارج أقلُّ منها في الداخل ، هكذا تحادثني نفسي ثم تهرب ، لكل شيءٍ سواي.

السهر والنوم والإيغال في كتاب ما، كل ذلك يقربك للحياة خطوة ومن الجنون خطوات. أترقبُ وأسير ، لا لستُ إلا مترقبا لما يمليه المصير عليّ ولستُ نبيّا له.
يفقدني هذا الغيمُ ظليّ، يفقدني ذلك السائرُ خلف نفسي، أخافُ أن هذا الظل قد أضاع الطريق، ربما تبع آخرا يظنه أنا، كيف ذاك؟، وربما سئم من الخطوات الطويلة ومن التأمل. وكيف يتوهُ وأنا احمل اسماً يُشبهه. علّهُ يسترشدُ قطرةً من المطر ويأتي. 

لستُ قلما ولا ورقة ، غير أنني أصدأُ من حضورِ المعنى ، أتوارى خلف كل شي ، أتوارى خلف الشجر ، خلف الشوارع وخلف الأرصفة ولكن أين الذهابُ من نفسي؟، أنا ما زلتُ مثابراً في الهروبِ نحو الشيء واللاشيء. لستُ أخافُ إلا من مدينةٍ لا تثور ومن سورٍ لا يهترئ، ومن جدران لا تستجيب لكتابةِ الجوعى.

هؤلاء المشاة حولي لا يتجرأون على الحياة، يبحثون عن الموت بأقصر الطرق. ألتقي بهم،  أُصافحهم، أتذكرُ كلماتهم العابرة. ابحثُ عن معنى لها رغم الهزل الذي يحاصرني، الموت والحياة وجهان، الغناءُ والنشاز، لعبةُ القدر والإله، القمع والابتسامة، النفط والرمال، كل ما نحبُه يأخذنا إلى التعب لا أكثر.
لعلّ السخرية وحدها ستمد يوما لتحمل المعنى دون أن يُسفكَ من دمائنا شيئا. هذا الموتُ يحاصرنا من كل مكان، وليس ثَمَّ سلاحٍ سوى السخرية. 

اكتبُ حتى لا يصدأ هذا الظلامُ حولي، حتى لا يتباهى السائرونَ بهِ كأنهم يمنوّن على الضوء والمطر، اكتبُ عن القدرِ الذي سقطوا فيه بأيديهم ثمَ كرهوه، اكتب كي أتجرّدَ من لعنةِ الحاضرِ والمستقبل، ليس إلا ..


الكويت 

٢٠ آذار ٢٠١٥

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق