الجمعة، 24 أبريل 2015

عقلْ



تخامرني الرغبة ذاتها في الكتابة. أهربُ ، لا لشيء سوى أنني مستلمٌ للمكان والعتمة، وليس لدي أدنى ما يُقال لهذه الشهوة التي تمخر وجه النعاس. تهبط وتصعد كأنها معلقة في مصير الضوء.

- يهاتفني العقل : ربما هذا ما يعجب الكتابة، أن تقودها الغواية وحدها ! 

هل لكَ قِبلٌ بأن تنهض في منتصف الليل ، ترتدي قميصا رمادياً ، شالا أسود، ربطةَ عُنقٍ فاتحةَ اللونِ .. تتأنق ، وأنت لا تعرف لأين تذهب؟. ربما تريد مرآةً أوسع تقلبُ عينيك فيها. لا تقلق ، لن ترى أفقا آخراً ما لم يذوب الصراع في عقلك. بين ذاتك وبينك، هذا الصراع الأبدي الذي لا ينتهي إلا بالموت. اسألُ كيف يكون الموتُ عُرسا للنفس أيها المُعري؟ 

لا تأنفُ النفسُ من موتٍ يلمُّ بها
فالنفسُ أنثى لها بالموتِ إعراسُ

حقلٌ هي النفسُ لا تتسع لمادةٍ واحدة ولا لجسدٍ واحد، أقولُ. أفكرُ في ما قد كان يمليه علي هذا الجنون في منتصف الليل ، أن اكتب. أن أتجول هاربا من شيء إلى اللاشيء ذاته. ليس دقيقا أن الروح والجسد منفصلان ، هما ذات واحدة تتموج بين موت الغواية وحياتها.
أن تموت الغواية ، يعني أن يعجز القدر.

عبثاً يريد هذا الهاتفُ الساهرُ أن يسخر مني طوال الليل ، أن يراني أتصارع مع الذات لوقتٍ إضافي، ولستُ أعرفُ ما جدوى الحياة القادمة طالما تبدو في شكل صراعٍ لا يحسم ، بيني وبيني.

ويبدو أنها ستمضي في حوارات العقلنة المستنفدة سلفا، تلك التي يقوم بها عقلٌ بائسٌ كعقلي. لا أريد أن أصدق أن هذهِ النفس حقلاً. ألأنّني أخشى اكتشاف المصيبة في ذاتي؟. كيف سيكون هذا الحقل الذي تلفحهُ الصحراء بالريح التي تحمل الحشرات كل ليلة؟. أظنّها تتوحش بشكل أكثر لطافة من ضجيج العالم !

افتح مفكرةً قديمة، اكتب مسايرةً لهذا الليل. وكطفلٍ يتثاءبُ في مقعد عربةٍ خلفي .. يسأل مراراً : متى سنصل؟. لكن هذا الليل لا يكلُّ من الأسئلة. لا يلتفت ، لا يوحي بأي شيء. الكتابة أشبه بإنتحار فكري للفرح على يد الحزن. ألأن الحياة -المأساة- تبدو أوضح خلالها ؟ . 

"عالمٌ كتابتهُ مأساة ، وقراءتهُ ملهاة."

أدونيس يضع حدا بين التساؤل والحكم القاطع ، مستنجدا بوجه الأسئلة. وبعنوانٍ كهذا مرةً أخرى.

"كل شيءٍ نسبي إلى سرعة الضوء"، ألبرت أينشتاين.

أتساءلُ ما إذا كان القلبُ ضوءً أو ظلاما.

 الكلام فضة ، لأن الذهب وجهٌ أخرٌ للعهرِ .

من بحثَّ عن الآخر ، الشوكُ أم ريلكه؟ 

ذبابةُ آرثرَ تترنحُ ، ألأنَّ علم الأخلاق هو إعياء الدماغ؟*

آخر مراحل الجنون ، هي تلك التي نعيشها بين أسئلةِ الوجود واللاجود. -شكلٌ آخرٌ للعدم- يتلبسُ في الذاكرة.

جبهةٌ واحدة  .. لكل العقولْ ، 

أمةٌ لا تتركُ شيئاً يرفعها ، تحبو كأنها تريد الطيران على ركبتيها !


شيءٌ ما يستهوي النعاس يأخذه ثم يعيده. يتركني معلقاً بين اليوم والغد. الصباحُ الذي يتثاءب كعجوز ، دخان المصانع الذي يتصاعد من الغضب، والبحرُ الذي لا يخبرني بشيء حتى اسمه !.

طالما يرفضُ هذا الشارع بأضواءه الخافتة ، التي يتشكل ظلّها كإيقاع خطوات فاتنةٍ غائبة أن يكون طرفا في هذا الليل. على أن أخلع حذائي ، وعلى ذلك قلمي ، رحمةً للأبجدية.


*إشارة لقصيدة آرثر رامبو : الذبابة السكرانة.


الظهران 

٢٤ نيسان ٢٠١٥

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق