الأربعاء، 15 أبريل 2015

(مكانا آمنا للحب)

للحديث عن امرأةٍ بداياتٌ متعثرة في الأغلب ، فكل البدايات هي نهايات ، تتشكلُ وتتباعد ، تقتربُ وتنصهر ، ويبقى منها شيءٌ مبهم يقالُ له الكلمات..

 لن تعرفَ ما إذا كنت عاشقا أم مولعا في ذاك الجحيمِ أم مجنونا في أحيانٍ كثيرة. كل ما تدركه أنك تبحرُ في محيطٍ يلبسُ لون الصبح مره ولون الليل مرات. شيءٌ ما يخالط اللهفة والجوع والشوق والفقد .. أهو الحب؟ ، ليس تماما، إنك تغوصُ في قارعةٍ لا تنتهي منذ البداياتِ الأولى والتفاحة الأولى والقدر الذي جعلنا للسؤال رهنا.. ثم ماذا ؟، التفاصيل تتوالد، المصيرُ ينشطر، والنجمةُ الباقية في سماءه تسقط ثم تعلو .. ها أنتَ تتأمل التفاصيل كلها ، لا شبه ينسابُ لكَ ولا شبهَ سيرتهن بك.

تفتحُ باكورةَ الحاضر، تغلق لهفة الذكرى، تعودُ إلى الليل محملا بالأسئلة .. لو أن القمرَ يشيخ؟، لو أن الحُلم يعرى؟ .. لو أن للقدرِ وجهٌ واحدٌ .. سواها ! 

كيف تُحُبُّ إذاً دون أن تعرف ولو سبيلاً واحداً للسعادة؟ ، كيف تفعل وأنت لا تعقد هدنةً مع القدر والحياة. لربما عليك أن تحاول ذلك دون جدوى، وأن تقول لنفسك في نهايةِ كل عام حتما سأصل إلى تسويةٍ مع القدرِ ذات يوم. فليس غريبا تحب وتنسى وليس غريبا أيضا ألّا تحب وألّا تنسى ، كأن تبقى عالقاً في منتصف الطريق، تقفز بين حواجز الشيء ولا الشيء دون أدنى اهتمام.
خارج حدود عقلك يبدو صغيرا هو العالمُ، وفي داخلهِ يبدو كبيراً يتسعُ لنشوتكَ الحائرة بين الوجودِ وبين العدم!

وتبقى معضلةُ الشعور أنه مرتبطٌ دائما بالوجود واللاوجود ، وبين الواقع واللاواقع ، ويبدو مجرداً من المنطق .. بينما هو جزءٌ لا ينفصلُ من الأسطورةِ الكبرى - الإنسان- المستشعرُ لكل شيء حوله.
ماذا لو كشف الوقتُ لهذا الإنسان -نحن- أنه يقف في وسط الفراغ؟. بالطبعِ ، لا أحد يود أن يبتكر العالم جاليلوساً آخرا يغير وجهته ويكشف عن مصيرٍ مختلف طالما يحاول الإنسان فينا أن يستعيد دور المحور لهذا الكون بشتى الطرق. كان العالم أرحب بدون ابتكارك يا جاليلو. كان يبدو مثل طاولة الشطرنج وكان الإنسان مثل الملك العاجز ، لا يتحرك طالما ظنَّ أن اللعبةَ قد انتهت. لا يتحرك ، لا يتحول ، يجلس ليرى ساحة الحرب حوله تموجُ بالجماجم الملقاةِ على عاتق الأرض تنتظر الطيور. ينتظرُ هذا الملك قدره . تتبدى للّحظةِ قصيدةٌ يتركها سركون بولس تعبثُ فيما حوله :
سقط الرجلُ .. مثلَ حِصانٍ حصدوا ركبتيه بمنجلْ !


فليكتب القدرُ لبورخيس أنه يرى في العتمة ما لا يراه في النور ، وليُسأل المُعرّي عن السلاح الذي نرفعه في وجوهنا كل يوم وكل ساعة. ليبحث دمنا الطفل عن معنى لهذا الشيء الذي يدعى الحُب ، وليبحث عنه ثم يبحث عن مكانٍ له في سرديةِ قاسم :

نُغني 
حولَ غُربتِنا الوحيدةِ
كالعذارى
في انتحابِ الليلِ ...
كُنَّا نَتْركُ النسيانَ
يأخُذنا على مهلٍ
لئلّا نفْقدَ السلوى
لمْ نعرفْ مكاناً آمناً للحُب! 


الظهران

١٤ نيسان ٢٠١٥





هناك تعليق واحد:

  1. تأمل عميق في الوجود وفي ذلك النبض الكوني الذي نُطلق عليه الحُب دون معرفة حقيقية لماهيته .. تحياتي

    ردحذف