الاثنين، 14 أبريل 2014

رسائل ١


بعد التحية أيتها القريبة البعيدة، وبلا عناق ابدأ الحديث ، تماما كما يفعلون في بلادنا. أقصدُ في هذهِ البلاد فلا فرق هنا في التسميات فكل شيء فقد اسمه هنا ، الطفل والابن والأب لم يعد يتحمل هذا المكان أحداً منهم ، لم يعد يحتمل سوى الخوف، الخوف ياصديقتي يحرك كل شيء هنا ، الخوف يختصر الطرقات كلها والخوف يؤجل الأحلام ويأتي بها.


البارحة مررت بشارعٍ أبيض، نعم كان كذلك وكان كل من فيه متشابهون أعرف أنكِ لن تصدقي هذا ولكن هكذا رأيتهم ، رأيت ابناً يحمل الماضي فوق رأسه وأباً يشدُّ على خصره إزارا قديما لكي يحميه من الحاضر والمستقبل. أتعلمين أن الناس هنا لا يخافون الموت؟ بل هم يخافون الحياة أكثر .. سألت حكيما ذات مره ماهي الحياة ؟ ، وأجاب: الخوف ثم الخوف وخاف أن ينطق بالثالثة. يُخيلُ لي أن من لا يخاف من الحياة سيفقدها أو هكذا تعلمت هنا. ماذا تريدين أن أُخبرك ؟ عن السجن أو المنفى فهذه أسماء تتكرر لدى الأمهات هنا وكأنهن ولدن أبناءهم هبةً للخوف أو رهن الإعتقال ، لم يعد هذا مهما الذي يهمهنَّ الآن كيف يرضعون أطفالهم الخوف حتى لايدخلون باب الحياة!. لن أخبرك عن الطقس أو ازدحام المساء فرغم كل شيء الصمت لازال مسيطراً. تذكرين كم أخبرتك أنني مُتفائل ، لم أعد كذلك أحاول الآن أن أتهجأُ هذا الخوف أُحاول نسيان عقلي في مكان ما ، ربما في كرسي الانتظار في أحد المستشفيات الرديئة أو في المطارات المزدحمة بالمسافرين الذين يفرون لاستنشاق الحياة كل بضعة أشهر. أحاول الخوف نعم أحاول التصالح مع الفساد الذي يملأ الأروقة والرجعية في كل مكان ، أعلم أنني سأفشل في هذا حتماً ، ولكنني أريد أن اكتب المزيد من الرسائل ، المزيد منها إلى الحد الذي سيجعلكِ لاحقاً تمرين مرور الكرام على هذا التذمر، ولكن تذكري أنني لا أتذمر إنني أحاول الخوف فقط.


 أتعلمين لماذا؟ لأن الخوف هنا لا ينكسر إلا بالجوع هكذا يقول شيخ البادية والصبي والأب .. نسيت فلا فرق بينهم هنا كما أخبرتك ، على كل حال سأذهب الآن للبحث عن تمردٍ لا وجود له ، سأذهب حيث شاؤوا أو كما شئت فهذا لا يهم أيضا وأرجوكِ أن تتركي الشباك مفتوح على الأيام لربما يصرخ أحدهم ويعودون إلى الحياة.


الدوحة 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق